باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط

قال الزين بن المنير: ظاهر هذه الترجمة منع أهل الذمة من الاستبداد بالاستسقاء، ولا يظهر وجه المنع من هذا اللفظ.

قلت: ما قاله هو مذهب مالك فإن الذمي عنده لا يمنع من الاستسقاء وينفرد بمكان عن المسلمين لا بيوم، وأخذه من هذه الترجمة بعيد جدًا، واستشكل بعض الشيوخ مطابقة حديث ابن مسعود للترجمة؛ لأن الاستشفاع إنما وقع عقب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم بالقحط، ثم سئل أن يدعو برفع ذلك ففعل فنظيره أن يكون إمام المسلمين هو الذي دعا على الكفار بالجدب فجاءه الكفار يسألونه الدعاء بالسُّقيا، ومحصله أن الترجمة أعم من الحديث ويمكن أن يقال هي مطابقة لما وردت فيه، ويلحق بها بقية الصور إذ لا يظهر الفرق بين ما إذا استشفعوا بدعائه أو بابتلاء الله لهم بذلك فإن الجامع بينهما ظهور الخضوع منهم والذلة للمؤمنين في التماسهم الدعاء لهم منهم، وذلك من مطالب الشرع.

ويحتمل أن يكون ما ذكره بعض الشيوخ هو السبب في حذف المصنف جواب إذا من الترجمة ويكون التقدير في الجواب مثلًا أجابهم مطلقًا أو أجابهم بشرط أن يكون هو الذي دعا عليهم، أو لم يجبهم إلى ذلك أصلًا ولا دلالة فيما وقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة على مشروعية ذلك لغيره إذ الظاهر أن ذلك من خصائصه لاطلاعه على المصلحة في ذلك بخلاف من بعده من الأئمة ولعل حذف جواب إذا لوجود هذه الاحتمالات.

قلت: الاحتمالان الأولان ممكنان في تقدير كلام البخاري، وأما الثالث الذي هو عدم الإجابة أصلًا فلا يمكن في كلامه؛ لأن البخاري استدل على الترجمة بالحديث، والحديث فيه الإجابة قطعًا فعلم أن مراده الإجابة إما مطلقًا أو على الشرط المذكور. ويمكن أن يقال إذا رجا إمام المسلمين رجوعهم عن الباطل أو وجود نفع عام للمسلمين شرع دعاؤه لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015