بردًا وسلامًا، ومن امتنع أُدخلها كرهًا، فأي حجة لأبي طالب مع طول دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- آناء الليل وأطراف النهار. ومما يرد حديث العباس أيضًا افتخار أبي جعفر المنصور في كتابته لمحمد بن عبد الله الحسن لما خرج عليه (بالمدينة) ففي كتابه له "قد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وله أربعة أعمام فآمن به اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك". ومن شعر عبد الله بن المعتز يخاطب الفاطميين:
وأنتم بنو بنته دوننا ... ونحن بنو عمه المسلم
ومما استدل به الرافضي ما رواه عن إسحاق بن عيسى الهاشمي بسنده إلى أبي رافع قال: "سمعت أبا طالب يقول: سمعت ابن أخي يقول: إن ربه بعثه بصلة الرحم وأن يعبد الله وحده لا يعبد معه غيره ومحمد الصدوق الأمين" وهذا مع ضعف سنده لا دلالة فيه على إيمان أبي طالب فيجاب عنه وعما ورد في إشعاره بأن علمه بصدقه من غير إذعان وقبول لما جاء به لا يكون إيمانًا، وهو نظير ما قاله تعالى في كفار قريش {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} فكان كفرهم عناداً ومنشؤه من الأنفة والكِبر، وإلى ذلك أشار أبو طالب بقوله: "لولا أن تعيرني قريش".
ومما استدل به أيضًا ما رواه عن أبي عامر الهوازني بسند ضعيف جدًا "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج معارضًا جنازة أبي طالب وهو يقول: وصلتك رحم" فهذا مع ضعفه وإرساله لا حجة فيه إذ لو كان مسلمًا لمشى معه وصلى عليه ولا يكتفى بالمعارضة، وقد ورد ما هو أصح منه مما يبطله وهو ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة عن ناجية بن كعب عن علي "لما مات أبو طالب أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت إن عمك الضال قد مات. قال: اذهب فوارِهِ قلت: إنه مات مشركًا فقال: اذهب فوارِهِ ولا تحدث شيئًا حتى تأتيني ففعلت فأتيته، فدعا لي بدعوات".
وقد أخرج الرافضي هذا الحديث بدون قوله: "الضال" لمنافاتها لغرضه. وقد أخرج هذا الرافضي قصة وفاة أبي طالب عن علي رضي الله تعالى عنه قال: "تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته، وأوصاني أن أدفنه في قبره فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال اذهب فوارِهِ وأتيته لما أنزل به فغسلته وكفنته وحملته إلى الحجون، فنبشت عن قبر عبد المطلب فوجدته متوجهًا إلى القبلة فدفنته معه. قال متيم ما عبد علي ولا أحد من آبائه إلا الله إلى أن ماتوا" أخرجه عن أبي بشر المتقدم بسلسلة من غلاة الروافض. وقد مرّ قريبًا ما هو أصح منه وأقوى فهو المعتمد.
ومما استدل به أيضًا ما رواه عن علي أنه لما أسلم قال له أبو طالب: "الزم ابن عمك"، وبما رواه أيضًا عن عمران بن حصين "أن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم: صِلْ جناح ابن عمك فصلّى جعفر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-". وهذان الحديثان مع شدة ضعف سندهما لا حجة فيهما؛ لأن أمره لولديه من حسن نصرته له وذبَّه عنه ومعاداته لقومه بسببه، وتركه هو للإسلام إنما هو من باب العناد كما مرّ.