حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ.
قوله: "كل الليل" بنصب كل على الظرفية وبالرفع على أنه مبتدأ والجملة خبره والتقدير أوتر فيه. ولمسلم عن مسروق "مِنْ كلِّ الليل قد أوترَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أولِ الليلِ وأوسطه وآخرهِ فانتهى وترُهُ إلى السَّحَرِ" والمراد بأول الليل بعد صلاة العشاء كما مرّ.
وقوله: "إلى السحر" زاد أبو داود والترمذي "حين مات" ويحتمل أن يكون اختلاف وقت الوتر باختلاف الأحوال فحيث أوتر في أوله لعله كان وجعًا، وحيث أوتر وسطه لعله كان مسافرًا، وأما وتره في آخره فكأنه كان غالب أحواله لما عرف من مواظبته على الصلاة في أكثر الليل، والسحر قبيل الصبح.
وحكى الماوردي أنه السدس الأخير، وقيل أوله الفجر الأول. وفي رواية طلحة بن نافع عن ابن عباس عند ابن خزيمة "فلما انفجرَ قامَ فأوترَ بركعةٍ" قال ابن خزيمة المراد به الفجر الأول.
وروى أحمد عن معاذ مرفوعًا زادني ربي صلاةً وهي الوترُ ووقتُها من العشاءِ إلى طلوع الفجر" وفي إسناده ضعف إلى آخر ما مرّ في باب (قراءة القرآن بعد الحدث) وغيره من كتاب "الوضوء".
وقد قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: "متى توترُ؟ قال: أولَ الليلِ. وقال لعمر: متى توتر؟ قال آخرَ الليلِ. فقال لأبي بكر: أخذت بالحزم وقال لعمر أخذت بالقوة". واستشكل اختيار الجمهور لفعل عمر في ذلك مع أن أبا بكر أفضل منه. وأجيب بأنهم فهموا من الحديث ترجيح فعل عمر؛ لأن وصفه بالقوة وهي أفضل من الحزم لمن أعطيها. وقد قال المحاملي: وقتها المختار إلى نصف الليل، وقال القاضي أبو الطيب وغيره: إلى نصفه أو ثلثه، والأقرب فيهما أن يقال إلى بعيد ذلك ليجامع وقت العشاء المختار مع أن ذلك منافٍ لقولهم: يُسن جعله آخر صلاة الليل وقد علم أن التهجد في النصف الثاني أفضل فيكون مستحبًا ووقته مختار إلى ما ذكر. وحمل البلقيني ذلك على من لا يريد التهجد.
قلت: ومذهب مالك أن وقته المختار بعد عشاء صحيحة وشفق إلى الفجر الصادق وما بعد ذلك إلى طلوع الشمس ضروري، لكن لابد أن يؤدى قبل صلاة الصبح فانتهاء ضروريه هو