باب قول الله عزّ وجلّ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}

قيل أراد بهذه الآية الكريمة الإِشارة إلى أن الأمر في قوله "فانتشروا" "وابتغوا" للإباحة لا للوجوب؛ لأنهم منعوا عن الانتشار في الأرض للتكسب وقت النداء يوم الجمعة لأجل إقامة صلاة الجمعة، فلما صلّوا وفرغوا أُمروا بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، وهو رزقه والصارف للأمر هنا عن الوجوب وروده بعد الحظر كقوله تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}.

والإجماع الدال على أنه للإباحة، وجنح الداودي إلى أنه على الوجوب في حق من يقدر على الكسب، وهو قول شاذ نقل عن بعض الظاهرية وقيل وهو في حق من لا شيء عنده ذلك اليوم، فأمر بالطلب بأي صورة اتفقت ليفرح عياله ذلك اليوم؛ لأنه يوم عيد والذي يترجح أن في قوله انتشروا، وابتغوا إشارة إلى استدراك ما فاتكم مما انفضضتم إليه فتنحل إلى أنها قضية شرطية أي من وقع له في حال خطبة الجمعة وصلاتها زمان يحصل فيه ما يحتاج إليه من أمر دنياه ومعاشه، فلا يقطع العبادة لأجله، بل يفرغ منها ويذهب حينئذ لتحصل حاجته.

وروي عن أنس مرفوعًا ليس لطلب دنياكم، ولكن عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله، وقيل صلاة تطوع. وقال الحسن وسعيد بن جبير ومكحول "وابتغوا من فضل الله" هو طب العلم.

الحديث الحادي والستون

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا، فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا، فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ، وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ، وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ".

وجه مطابقته للترجمة من حيث إن في الآية الانتشار بعد الفراغ من الصلاة وهو الانصراف منها. وفي الحديث أيضًا كانوا ينصرفون بعد فراغهم من صلاة الجمعة، وفي الآية الابتغاء من فضل الله الذي هو الرزق، وفي الحديث أيضًا كانوا بعد انصرافهم منها يبتغون ما كانت تلك المرأة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015