مكانه كفى، فإن قيل لم يثبت الحديث في التنحي قلنا قد ثبت في حديث معاوية أو تخرج ونصت المالكية على أنه يكره للمصلي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا القيام للنافلة بعد السلام من غير فصل بالمعقبات وآية الكرسي. واحتجوا بما ورد: "أن رجلًا قامَ يتنفلُ بعدَ الفريضةِ غيرَ فصلٍ فَأمسكَ عمرَ بيدهِ وجذبَهُ بالأرض، وقالَ لهُ: ما أهْلَكَ مَنْ كان قبلَكُم مِنَ الأُمم إلا أنهُم كانوا لا يفصلُونَ بين الفرضِ والنفلِ، فقاَل له النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أصبتَ يا عمرُ، أصابَ اللهُ بك".
وقوله: "ثلاثًا وثلاثين" يحتمل أن يكون المجموع للجميع، فإذا وزع كان بكل واحد إحدى عشرة، وهو الذي فهمه سهيل بن أبي صالح كما رواه مسلم عنه، لكنه لم يتابع على ذلك وليس في شيء من الطرق التصريح بإحدى عشرة إلا في حديث ابن عمر عند البزار وإسناده ضعيف، والأظهر أن المراد أن المجموع لكل فرد فرد، فعلى هذا ففيه تنازع ثلاثة أفعال في ظرف وهو خلف ومفعول مطلق، وهو ثلاثًا وثلاثين والتقدير (تسبّحون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمّدون كذلك، وتكبّرون كذلك).
وقوله: "فاختلفنا بيننا" ظاهره أن أبا هريرة هو القائل. وكذا قوله: "فرجعت إليه" وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى هذا، فالخلاف واقع بين الصحابة لكن بين مسلم عن سمي أن القائل فاختلفنا هو سمي وأنه هو الذي رجع إلى أبي صالح، وأن الذي خالفه بعض أهله ولفظه قال سمي: فحدثت بعض أهلي هذا الحديث فقال: وهمت. فذكر كلامه قال: فرجعت إلى أبي صالح لكن مسلم لم يوصل هذه الزيادة، وتبين بهذا أن في حديث عبيد الله بن عمر عن سمي في حديث الباب إدراجًا. ورواه ابن حِبّان عن معتمر بن سليمان بالإسناد المذكور، فلم يذكر قوله: "فاختلفنا" إلخ.
وقوله: "ونكبّر أربعًا وثلاثين" هذا قول بعض أهل سمي كما مرّ التنبيه عليه من رواية مسلم. وقد تقدم احتمال كونه من كلام بعض الصحابة، وقد جاء مثله في حديث أبي الدرداء عند النَّسائيّ وكذا عنده من حديث ابن عمر بسند قوي، ومثله لمسلم عن كعب بن عجرة، ونحوه لابن ماجه عن أبي ذرٍّ، لكن شك بعض رواته في أنهنّ أربع وثلاثون، ويخالف هذا ما عند أبي داود من رواية محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة ففيه: "وتختم المائةَ بلا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ" إلخ. وكذا لمسلم في رواية عطاء بن يزيد عن أبي هريرة، ومثله لأبي داود عن أُم الحكم ولجعفر الفريابي في حديث أبي ذرٍّ. قال النووي: ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبّر أربعًا وثلاثين ويقول معها: "لا إله إلا الله وحده" إلخ. وقال غيره بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بزيادة لا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث.
وقوله: "حتى يكون منهنّ كلهنّ" بكسر اللام تأكيد للضمير المجرور. وقوله: "ثلاث وثلاثون" بالرفع وهو اسم كان. وفي رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت ثلاثًا وثلاثين وتوجه بأن اسم كان محذوف والتقدير: (حتى يكون العدد منهنّ كلهنّ ثلاثًا وثلاثين). وفي قوله: "منهنّ كلهنّ"