صدقة، وبكلِّ تكبيرةٍ صدقة" الحديث واستشكل تساوي فضل هذا الذكر بفضل التقرب بالمال مع شدة المشقة فيه. وأجيب بأنه لا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقة في كل حالة واستدل لذلك بفضل كلمة الشهادة مع سهولتها على كثير من العبادات الشاقة.

وقوله: "تسبّحون وتحمّدون وتكبّرون" كذا وقع في أكثر الروايات تقديم التسبيح على التحميد وتأخير التكبير، وفي رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة، وفيه أيضًا قول أبي صالح يقول: "الله أكبر وسبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ"، ومثله لأبي داود من حديث أُم الحكم. وله من حديث أبي هريرة "تكبّر وتحمّد وتسبّح" وكذا في حديث ابن عمر وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها، ويستأنس لذلك بقوله في حديثه: "الباقياتُ الصالحاتُ لا يضرّكَ بأيهِنَّ بدأتَ" لكن يمكن أن يقال الأولى البداءة بالتسبيح؛ لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى ثم التحميد؛ لأنه يتضمن إثبات الكمال له إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم التكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص وإثبات الكمال أن لا يكون هناك كبير آخر، ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك.

وقوله: "خلف كل صلاة" هذه الرواية مفسرة للرواية التي عند المصنف في الدعوات وهي قوله: "دُبُر كل صلاة" ولجعفر الفريابي عن أبي ذرٍّ "إثر كل صلاة" ورواية "دبر" بضمتين قال الأزهري: "دُبُر الأمر" بضمتين، و"دَبْره" بفتح ثم سكون، وادعى أبو عمرو الزاهد أنه لا يقال بالضم إلا للجارحة، ورد بمثل قولهم أعتق غلامه عن دُبُر.

وقوله: "كل صلاة" يشمل الفرض والنفل لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها، وعلى هذا فهل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فصلًا بين المكتوبة والذكر أو لا؟ محل اختلاف بين العلماء فمقتضى الحديث أن الذكر المذكور يكون عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ فإن كان يسيرًا بحيث لا يعد معرضًا أو كان ناسيًا أو متشاغلًا بما ورد أيضًا بعد الصلاة كآية الكرسي، فلا يضر. وتقديم الذكر المأثور قبل النافلة هو الذي عليه الجمهور.

وعند الحنفية يبدأ بالتطوع ويكره عندهم تأخيره عن أداء الفريضة فيتقدم أو يتأخر أو ينحرف يمينًا أو شمالًا، وعن الحلواني من الحنفية جواز تأخير السنن بعد المكتوبة والنص: أن التأخير مكروه، وحجة الجمهور في تقديمه تقييده في الأخبار الصحيحة بدُبُر الصلاة، وزعم بعض الحنابلة أن المراد بدُبُر الصلاة ما قبل السلام، وتعقب بحديث: "ذهب أهل الدثور" فإن فيه تسبّحون دبر كل صلاة وهو بعد السلام جزمًا فكذلك ما شابهه. واستدلوا أيضًا بما أخرجه مسلم عن السائب بن يزيد: "أنه صلَّى مع معاويةَ الجمعةَ فتنفَّلَ بعدها، فقال له معاويةُ: إذا صلَّيتَ الجمعةَ فلا تصلْها بصلاة حتى تتكلم أو تخرجَ فإنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلكَ أنْ لا نوصل صلاة حتى نتكلَم أو نخرج". وقال البعض يمكن أن يقال لا يتعيّن الفصل بين الفريضة والنافلة بالذَّكر، بل إذا تنحى من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015