الإطالة في الركوع، وكأنه غفل عمّا رواه مسلم عن جابر بلفظ: وسجوده نحو من ركوعه، وهذا مذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي. وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج ثم النووي.
وتعقّبه صاحب المهذب بأنه لم ينقل في خبر ولم يقل به الشافعي، وردّ عليه في الأمرين معًا، فإن الشافعي نصّ عليه في البويطي ولفظه: ثم يسجد سجدتين طويلتين يقيم في كل سجدة نحوًا مما قام في ركوعه.
وقد مرّ في حديث جابر قريبًا، وقوله ثم انصرف أي: من الصلاة. وفي رواية عائشة الآتية في الكسوف: ثم انصرف وقد تجلّت الشمس، فخطب النّاس، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وكبّروا وصلّوا وتصدّقوا. وفي رواية أبي مسعود الآتية فيه: فإذا رايتموها فقدموا فصلّوا. وفي رواية أبي بكرة فيه: ولكن الله يخوّف بهما عباده.
وها أنا أتكلم على الزيادات حصرًا للكلام في محل واحد. قوله: وقد تجلّت الشمس في رواية ابن شهاب: انجلت الشمس، قبل أن ينصرف. وللنسائي ثم تشهّد وسلّم. وقوله: فخطب الناس فيه مشروعية الخطبة لكسوف، والعجب أن مالكًا روى هذا الحديث عن هشام وفيه التصريح بالخطبة، ولم يقل به أصحابه. وقد اختلف فيها فاستحبّها الشافعي وإسحاق وأكثر أصحاب الحديث، وقال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحمد ذلك.
وقال صاحب الهداية من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لم ينقل، وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه، وهي ذات كثرة. والمشهور عن المالكية أن لا خطبة لها مع أن مالكًا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة. وأجاب بعضهم بأنه عليه الصلاة والسلام لم يقصد لها خطبة بخصوصها، وإنّما أراد أن يبيّن لهم الردّ على من زعم أن الكسوف لموت بعض الناس.
وتعقّب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث. فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف. والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل.
واستضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور. وقال إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة.
وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف، فينبغي التأسّي بالنبيّ عليه الصلاة والسلام. فيذكر ذلك الإِمام في خطبة الكسوف.
نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبة الجمعة والعيدين، إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك. وإلى ذلك نحا ابن المنير في حاشيته، وردّ على من أنكر أصل الخطبة