والحال، لا مجرد الصيغة، فيلزم منه أن من خالف شيئًا من الحال التي كان عليها صلى الله تعالى عليه وسلم يأثم , لما يدل عليه الوعيد المذكور في الآية، وإنكار أنَس ظاهر في كونهم خالفوا ما كانوا عليه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, من إقامة الصفوف، فعلى هذا تستلزم المخالفة التأثيم، وهو ضعيف؛ لأنه يفضي إلى أن لا يبقى شيء مسنون؛ لأن التأثيم إنما يحصل على ترك الواجب.
وأما قول ابن بَطّال: إن تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها، التي يستحق فاعلها المدح عليها، دل على أن تاركها يستحق الذم -فهو متعقب من جهة أنه لا يلزم من ذم تارك السنة أن يكون إثمًا سَلّمنا، لكن يرد عليه التعقب الذي قبله، ويحتمل أن يكون البُخاريّ أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا، ومن عموم قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده بهذه القرائن، أن إنكار أَنَس إنما وقع على ترك الواجب، وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن, ومع القول بأن التسوية واجبة، فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أنَّ أنَسًا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة.
وأفرط ابن حَزْم فجزم بالبطلان، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر، أنه ضرب قدم أبي عثمان النَّهْدِيّ لإقامة الصف، وبما صح عن سُوَيد بن غَفَلَة قال: كان بلال يُسَوْي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة. فقال: ما كان عمر ولا بلال يضربان أحدًا على ترك غير الواجب، وفيه نظر، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة.