وهذا طرف من حديث أبي سَعِيد الخُدْريّ أخرجه مسلم وأصحاب السنن عن أبي نَضْرَة عنه، قال: "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه تأخراً فقالَ لهم: تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى" أي عن الصف الأول، حتى يؤخرهم الله عن عظيم فضله، ورفيع منزلته. وقوله: وليأتم بكم من بعدكم، معناه عند الجمهور: يقتدي بكم من خلفكم، مستدلين على أفعالي بأفعالكم. وقيل: معناه تعلموا مني أحكام الشريعة، وليتعلم منكم التابعون بعدكم، وكذلك أتباعُهم إلى انقراض الدنيا، وظاهره يدل لمذهب الشَّعْبيّ، ولكن تفسيره بما ذكر هو المتعين، ليوافق مذهب الجمهور، وإنما ذكره المصنف بصيغة التمريض, لأنّ أبا نَضْرَة ليس على شرطه، لضعف فيه. قال في "الفتح": وهذا عندي ليس بصواب, لأنه لا يلزم من كونه ليس على شرطه أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به، بل قد يكون صالحًا للاحتجاج به، وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة، والحق أن هذه الصيغة لا تختص بالضعف، بل قد تستعمل في الصحيح أيضًا، بخلاف صيغة الجزم، فإنها لا تستعمل إلا في الصحيح.