الخطيّ في تاريخ بغداد عن ثَعْلَبَة بن يَزِيد الحَمْانيّ، قال: فلما كان يوم عيد الأضحى جاء عليّ فصلى بالناس. وقال ابن المبارك فيما رواه الحسن الحَلْوانيّ: لم يصل بهم غيرها. وقال غيره: صلى بهم عدة صلوات، وصلى بهم، أيضًا سَهْل بن حُنَيف. رواه عمر بن شَبَّة بإسناد قويّ. وقيل: صلى بهم أيضًا أبو أيوب الأنصاريّ وطَلْحَة بن عُبَيد الله، وليس واحد من هؤلاء مرادًا بقوله "إمام فتنة" إلا على ما مرَّ من تقرير الداوديّ. وقد مرَّ ما فيه.
وقوله: ونتحرج، في رواية ابن المبارك "وإنا لنتحرج من الصلاة معه" والتحرج التأثّم أي نخاف الوقوع في الإثم، وأصل الحرج الضيق، ثم استعمل للإثم لأنه يُضَيّق على صاحبه. وقوله: فقال الصلاة أحسن، في رواية ابن المبارك "إن الصلاة أحسن" وفي رواية مَعْقِل بن زِياد عن الأوزاعيّ عند الإسماعيليّ "من أحسن". وقوله: فإذا أحسن الناس، فأحسن معهم، ظاهره أنه رخص له في الصلاة معهم، كأنه يقول: لا يضرك كونه مفتونًا، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه، واترك ما افتتن به، وهو الموافق لسياق الباب، وهو الذي فهمه الداوديّ حتى احتاج إلى تقدير حذف في قوله "إمام فتنة" كما مرَّ.
قلت: قد مرَّ أنه على كلام الداوديّ لا اختصاص له بالخارجيّ، وخالف ابن المُنير فقال: يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصح، فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن, لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة، وصلاة الخارجيّ غير صحيحة, لأنه إما كافر أو فاسق، وفيما قاله نظر, لأنّ سيفًا روى في "الفُتَوح" عن سَهْل بن يوسف الأنصاريّ عن أبيه. قال: كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان، فإنه قال: من دعا إلى الصلاة فأجيبوه، فهذا صريح في أن مقصوده بقوله "الصلاة أحسن" الإشارة إلى الإذن بالصلاة خلفه، وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله "إمام فتنة".
وروى سعيد بن منصور عن مَكْحُول قال: قالوا لعثمان انا نتحرج أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك، فذكر نحو حديث الزُّهريّ، وهذا منقطع، إلا أنه اعتضد. وقوله: وإذا أساؤا فاجتنب، فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها، ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد، وفيه الحض على شهود الجماعة، ولاسيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة. وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة، ومذهب الشافعية أن الفاسق بجارحة أو اعتقاد تصح الصلاة خلفه إلا منكر العلم بالجزئيات وبالمعدوم ومن يصرح بالتجسيم، فلا يجوز الاقتداء بهم كسائر الكفار، وتصح خلف مبتدع يقول بخلق القرآن أو بغيره من البدع التي لا يكفر بها صاحبها، هذا ما عند الشافعية، والمشهور عند المالكية أن الفاسق الذي لا يتعلق فسقه بالصلاة، بل بالجوارح الظاهرة، كالزنى وشُرْب الخمر يحرم الاقتداء به، ويحرم عليه هو المتقدم، ولا تبطل صلاة المقتدي به، وأما الذي يتعلق بالصلاة، كالتهاون بأركان الصلاة وشروطها، فالصلاة به باطلة، وأما الفاسق بالاعتقاد كالبدعيّ المختلف في تكفيره وتفسيقه، كالخوارج والرَّوافض والجَهْمِية