بواجب، لأن ظاهره أنه يشتغل بالأكل، وإن فاتته الصلاة في الجماعة، وفيه نظر، لأن بعض من ذهب إلى الوجوب، كابن حبَّان، جعل حضور الطعام عذرًا في ترك الجماعة، فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقًا. وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت، واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله "فابدؤا" على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل، وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة، فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة، لأنه قد أخذ منه ما يمنعه من شغل البال، وبحديث الحز من الكتف الآتي قريبًا قال ابن بطال: يرد هذا التأويل حديث ابن عمر الآتي قريبًا، ولا يعجل حتى يقضي حاجته، وقيل: لا رد عليه، لأنه يقول إنه قضى حاجته كما في الحديث، وليس من شرطه أن يستوفي أكل الكتف، لاسيما قلة أكله عليه الصلاة والسلام، وأنه يكتفي بحزة واحدة.
وقد روى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن، عن أبي هُرَيرة وابن عباس أنهما كانا يأكلان طعامًا شواء في التَّنُّور، فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس: لا تعجل، لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شيء. وفي روايته ابن أبي شَيْبَةَ: لئلا يعرض لنا في صلاتنا، وله عن الحسن بن علي قال: العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة، وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام، فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودًا وعدمًا ولا يتقيد بكل ولا بعض، ويستثنى من ذلك الصائم، فلا تكره صلاته بحضرة الطعام، إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل نفسه به. لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان.
وقد قال ابن الجوزيّ: ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الله ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة، ثم إن طعام القوم كان يسيرًا لا يقطع عن إلحاق الجماعة غالبًا، وقد يقع في بعض كتب الفقه: إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدؤا بالعَشاء، ولا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، وقد قال قطب الدين: إن ابن أبي شَيْبَةَ أخرج عن