وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقًا للجائع بالصائم، وللغداء بالعشاء، لا بالنظر إلى اللفظ الوارد.
وقوله: فابدؤا بالعَشاء، أي بفتح العين، وقد حمل الجمهور الأمر على الندب، ثم اختلفوا، فمنهم من قيده بمن كان محتاجًا للأكل، وهو المشهور عن الشافعية، وزاد الغزاليّ: ما إذا خشي فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده، وهو قول الثَّوْريّ وأحمد وإسحاق، وعليه يدل فعل ابن عمر الآتي قريبًا. وأفرط ابن حَزْم فقال: تبطل الصلاة، ومنهم اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفًا، نقله ابن المُنْذر عن مالك، وعند أصحابه تفصيل؛ قالوا: يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل أو كان متعلقًا به لكنه لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله عن صلائه بدأ بالطعام، واستحبت له الإعادة.
قال النّوويّ: في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، لما فيه من ذهاب كمال الخشوع، ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب، وهذا إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق صلى على حاله، محافظة على حرمة الوقت، ولا يجوز التأخير. وحكى المتولي وجهًا أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت؛ لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته، وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع، وفيه نظر، لأن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما، وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع، بدليل صلاة الخوف وغير ذلك، وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة، وتستحب الإعادة عند الجمهور.
وادعى ابن حَزْم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام، ولو خرج الوقت المحدد، وقال مثل ذلك في حق النائم والناسي، واستدل النّوَوِيّ وغيره بحديث أنس الآتي بعد هذا، على امتداد وقت المغرب، واعترضه ابن دقيق بأنه إن أُريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر، وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم. ولكن ليس محل الخلاف المشهور، فإن بعض من ذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرًا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول فيه لقيمات يكسر بها سورة الجوع، واستدل به القُرْطُبيّ على أن شهود صلاة الجماعة ليس