على هاك كتاب الإِيمان، أو خذ، وكتاب في الأصل مصدر، يقال: كَتَب يَكتُب كتابةً وكتبًا، ويجوز أن يكون بمعنى المكتوب كالحساب بمعنى المحسوب، ومادة كتب في جميع تصرفاتها دالة على الجمع والضم، ومنها الكَتِيبة وهي الجيش لاجتماعِ الفرسان فيها، وكتبتُ القربة: إذا خَرَزْتها، وكتبتُ البغلة: إذا جمعت بين شَفْريها بحلقةٍ أو سير، قال الشاعر:
لا تأمَنَنَّ فَزَاريًا خَلَوْتَ بهِ ... عَلَى قُلُوصكَ واكْتُبها بِأسْيارِ
وكتّبتُ الناقة تكتيبًا: إذا صررتها، واستعملوا الكتابَ فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل، والضم فيه بالنسبة إلى المكتوب من الحروف حقيقة، وبالنسبة إلى المعاني المرادة منه مجاز.
و"الإِيمان" بكسر الهمزة، وهو لغةً: التصديق، وشرعًا: تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام في كل ما عُلِمَ مجيئُه به بالضرورة، تصديقًا جازمًا مطلقًا، وهو مشتق من الأمن، كأنَّ حقيقة آمن به: أمِنَه التكذيبَ والمخالفة، يتعدى باللام، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17] أي: مصدق لنا، ويتعدى بالباء كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "الإِيمان أن تُؤمِنَ بالله" الحديث وحقيقة التصديق: الإِذعان لحكم المخبر، وقَبُوله، وجعله صادقًا، فليس حقيقته أن يقع في القلب نسبة التصديق إلى الخبر أو المخبر من غير إذعان وقَبُول، بل هو إذعان وقَبول لذلك، بحيث يقع عليه اسم التسليم، وإلا لم يكن تصديقًا، لأن بعض الكفّار كانوا عالمين برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146] وفِرْعَون كان عالمًا برسالة موسى عليه السلام، لقوله تعالى إخبارًا عن مخاطبته عليه السلام له: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الإسراء: 102] ومع هذا العلم والتصديق، لم يكونوا مؤمنين، وقولهم في الحد: بالضرورة، التقييدُ به لإِخراج ما لا يُعْلَمُ بالضرورة أن الرسول عليه الصلاة والسلام جاء به، كالاجتهاديّات، كالتصديق بأنّ الله تعالى