جبريل بدابة يقال لها البراق، فركبها. وفيه: إذا خرج مَلَكٌ من وراء الحجاب، فقال: الله أكبر الله أكبر"، وفي آخره: "ثم أخذ المَلَك بيده، فأمَّ بأهل السماء"، وفي سنده زياد بن المنذر أبو الجارود، وهو متروك أيضًا.
ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء، فيكون ذلك وقع بالمدينة، وقد مرّ القول بتعدد الإسراء عند حديث الإسراء أول كتاب الصلاة. وأما قول القُرطبيّ لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعًا في حقه، ففيه نظر، لقوله في أوله: "لما أراد الله أن يعلِّم رسوله الأذان"، وكذا قول المُحبّ الطَّبريّ: يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللُّغويّ، وهو الإعلام لتصريحه بالكيفية المشروعة فيه، والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث، وقد جزم ابن المنذر بأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بغير أذان، منذ فرضت الصلاة بمكة، إلى أن هاجر إلى المدينة، وإلى أن وقع التشاور في ذلك، على ما في حديث ابن عمرو، وحديث عبد الله بن زيد الآتيين.
ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ، بسند فيه مجهول، عن عبد الله بن الزُّبَير، قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم، من قوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، قال: فأذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وما رواه أبو نعيم في "الحلية" بسند فيه مجاهيل: "أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أُهبط من الجنة". قال الزَّين بن المُنير: "أعرض البخاريُّ عن التصريح بحكم الأذان، لعدم الإفصاح من الآثار الواردة فيه عن حكم معين، فأثبت مشروعيته، وسلم من الاعتراض".
وقد اختلف في ذلك، ومنشأ الخلاف أن مبدأ الأذان، لمّا كان بمشورة أوقعها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بين أصحابه، حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره، وكان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره، ولم يُنقل أنه تركه، ولا أمر بتركه، ولا رخص في تركه، كان ذلك بالواجبات أشبه. وقد قال بوجوبه مطلقًا الأوزاعيُّ وداود وابن المنذر، وهو ظاهر قول مالك في "الموطأ" وبه قال مُحمّد بن الحسين، وقال الأوزاعي: يعيد تاركه في الوقت، واختلف