فنزلت: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية، يعني: إذا أذن المؤذِّن للصلاة، وإنّما أضاف النداء إلى جميع المسلمين؛ لأن المؤذن يؤذن لهم، ويناديهم، فأضافه إليهم.
وقوله: {اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا}، يعني أن الكفار إذا سمعوا الأذان استهزؤوا بهم، وإذا رأوهم ركوعًا وسجودًا ضحكوا عليهم، واستهزؤوا بذلك. وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}، أي: ذلك الاستهزاء بانهم قوم لا يعلمون ثوابهم. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السّدّيّ، قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: حُرِقَ الكاذب، فدخلت أمَتُه ليلةً من الليالي بنار، وهو نائم وأهله نيام، فسقطت شرارة فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله.
وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}، يشير بذلك أيضًا إلى الابتداء، لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة، كما يأتي في بابه. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس، أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية، والفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام، أن صِلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام، فقصد في الأولى معنى الانتهاء، وفي الثانية معنى الاختصاص. ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى أو العكس. ويأتي عند حديث ابن عمر الآتي في الباب "إتمام الكلام على كونه شرع بالمدينة".
وقد وردت أحاديث ضعيفة تدل على أنه شرع بمكة قبل الهجرة، منها ما أخرجه الطبرانيّ عن ابن عمر، قال: "لما أُسري بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أوحى الله إليه الأذان، فنزل به، فعلَّمه بلالًا، وفي سنده طَلْحة بن زيد، متروك. وما أخرجه الدارقطني في الأطراف عن أنس: "أن جبريل أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة"، وإسناده ضعيف. ولابن مردويه عن عائشة مرفوعًا: "لما أَسرى بي جبريل، فظنت الملائكة أنه يُصلي بهم، فقَدَّمني فصليت". وفيه من لا يُعرف، وللبزار وغيره عن عليّ رضي الله تعالى عنه، قال: لما أراد الله أن يعلِّم رسوله الأذان، أتاه