القِرى، وهو الضيافة، ويحتمل أن يكون ففُرقنا، بضم أوله على البناء للمجهول. وفي رواية: "فعرفنا" ووقع عند الإسماعيليّ قولًا واحدًا، وسمي التعريف عريفًا لأنه يُعَرّف الإِمام أحوالَ العسكر. واختلف الرواة على مسلم، هل قال: فرقنا أو عرفنا؟ كما اختلف على البخاريّ.
وقوله: "مع كل رجل منهم أناس"، يعني مع كل رجل من الاثني عشر أناسٌ من القادمين إلى المدينة. وقوله: "غير أنه بعث معهم"، يعني أنه تحقق أنه جعل كليهم اثني عشر عريفًا، لكنه لا يدري كم كان تحت يد كل عريف منهم، لأن ذلك يحتمل الكثرة والقلة، غير أنه يتحقق أنه بعث مع كل ناس عريفًا.
وقوله: "قال أكلوا منها أجمعون"، أو كما قال، هو شك من أبي عثمان في لفظ عبد الرحمن، وأما المعنى، فالحاصل أن جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبو بكر إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن الذي وقع في بيت أبي بكر أوائل البَرَكة، وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كله، فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، على ظاهر الخبر.
وقد روى أحمد والتِّرمذيّ والنَّسائيّ عن سَمُرة، قال: "أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثريد، فأكل وأكل القوم، فما زالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر، يأكل قوم، ثم يقومون، ويجيء قوم فيتعاقبونه، فقال رجل: هل كانت تُمَدُّ بطعام؟ قال: أمّا من الأرض فلا، إلا أن تكون كانت تمد من السماء". قال بعض الشيوخ: يحتمل أن تكون هذه القصعة هي التي وقع فيها في بيت أبي بكر ما وقع.
هذا غاية الجهد في إظهار معاني هذا الحديث. ولم أر حديثًا مثله في الصعوبة وتداخل المعنى. وفيه من الفوائد، غير ما تقدم، التجاء الفقراء إلى المساجد عند الاحتياج إلى المواساة، إذا لم يكن في ذلك إلحاف، ولا إلحاح ولا تشويش على المصلين. وفيه استحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط،