حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهريِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.
قوله: "كنا نصلي العصر"، أي: مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، كما يظهر من الطرق الأخرى، وقد أخرجه الدارقطني في غرائبه، عن خالد بن مَخْلَد، عن مالك، مصرحًا بذلك. وقوله: "ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء"، كان أنسًا أراد بالذاهب نفسه، كما يشعر بذلك من الرواية الماضية عند النَّسائيّ والطحاويّ. قلت: لكن الرواية الماضية ليس فيها ذكر قباء، وإنما فيها: "ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة" فالظاهر من عبارته هذه أنه في المدينة نفسها، مع ما هو معلوم من كون مسكن أنس الذي هو بيت أبي طلحة زوج أمه، كان بالمدينة، لا بقباء.
قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك أنه قال في هذا الحديث إلى قباء، ولم يتابعه أحد من أصحاب الزُّهريّ، بل كلهم يقولون إلى العوالي، وهو الصواب عند أهل الحديث. قال: فلا شك في أن قوله هذا وهم، وما قاله مردود، فقد تابعه ابن أبي ذيب، عن الزُّهريّ، فقال: إلى قباء، كما قال مالك، نقله الباجيّ، عن الدارقطنيّ. وقد اختلف فيه على مالك، فقد رواه خالد بن مَخْلَد، عن مالك، فقال فيه: "إلى العوالي"، كما قال الجماعة، ونسبة الوهم فيه إلى مالك منتقدة، لأنه إن كان وهمًا احتمل أن يكون منه، وأن يكون من الزُّهريّ، حين حدث به مالكًا، وأيضًا المعنى في الروايتين متقارب، والجمع بينهما ممكن. فرواية مالك أخص، لأن قباء من العوالي، وليست العوالي كلاًّ قباء، فلعل مالكًا لما رأى أن في روإية الزُّهريّ إجمالًا، حملها على الرواية