وقوله: "فصلى الظهر"، أي: حين زالت الشمس، وهذا يقتضي أن زوال الشمس أول وقت الظهر، إذ لم ينقل أنه صلى قبله، وهذا هو الذي استقر عليه الإجماع، وكان فيه خلاف قديم عن بعض الصحابة أنه جوّز صلاة الظهر قبل الزوال. وعن أحمد وإسحاق مثله في الجمعة، لما يأتي، ولا يعارض هذا حديث الإبراد؛ لأنه ثبت بالفعل، وحديث الإبراد بالقول والفعل، فيرجح على ذلك. وقيل: إنه منسوخ بحديث الإبراد، لأنه متأخر عنه. وقال البيضاويّ: الإبراد تأخير الظهر أدنى تأخير، بحيث يقع الظل، ولا يخرج ذلك عن وقت التهجير، فإن الهاجرة تطلق على الوقت إلى أن يقرب العصر.
قلت: ما قاله من قوله: بأدنى التأخير، مخالف لما مرَّ من حد الإبراد، فأدنى تأخير لا يحصل به إبراد، ولم يقل أحد إن الهاجرة تمتد إلى وقت العصر. وقوله: فقام على المنبر، يعني بعد فراغه من الصلاة، وذلك لما بلغه أن قومًا من المنافقين يسألونه ويعجزونه عن بعض ما يسألونه. وقوله: "فليسأل"، أي: فليسألني عنه. وقوله: "فلا تسألوني عن شيء"، بحذف نون الرفع، وبقاء نون الوقاية، وذلك جائز كما في قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي}، وقوله: "إلا أخبرتكم" فيه استعمال لفظ الماضي موضع الاستقبال، إشارةً لي أنه كالواقع لتحققه. وقوله: "في مَقامي هذا"، بفتح ميم مقامي، وسقط لفظ الإشارة عند أبي ذَرٍّ والأصيلي وغيرهما. وقوله: "فأكثر الناس في البكاء" خوفًا من نزول العذاب العام المعهود في الأمم السابقة، عند ردهم على أنبيائهم، بسبب تَغَيُّظه عليه الصلاة والسلام من مقالة المنافقين السابقة آنفًا، أو سبب بكائهم ما سمعوه من أهوال يوم القيامة، والأمور العظام، والبكاء بالمد، مد الصوت في البكاء، وبالقصر الدموع وخروجها.
وقوله: "فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربًّا ... إلخ"، في رواية قتادة: "نعوذ بالله من شرّ الفتن"، وفي مرسل السدّي عند الطبريّ: "فقام إليه عمر فقبل رجله، وقال: رضينا بالله ربًّا ... " فذكر نحوه، وزاد: "وبالقرآن إمامًا، فاعف عما الله عنك" فلم يزل حتى رضي. وقد مرَّ بعض الكلام على هذا