حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا". فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ "سَلُونِي". فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: "أَبُوكَ حُذَافَةُ". ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: "سَلُونِي". فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ".
قوله: "حين زاغت الشمس"، أي: مالت، وللتِّرمذيّ: "زالت عن أعلى درجات ارتفاعها". قال أبو طالب في "القوت": الزوال ثلاثة: زوال لا يعلمه إلا الله تعالى، وزوال تعلمه الملائكة المقربون، وزوال يعلمه الناس. قال: وقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام سأل جبريل عليه السلام: هل زالت الشمس؟ قال: لا نعم، قال: ما معنى: لا نعم؟ قال: يا رسول الله، قطعت الشمس فيما بين قولي لك لا نعم مسيرة خمس مئة عام". ثم إن الزوال الذي يعرفه الناس يعرف بمعرفة أقل الظل، وطريقه أن تنصب قائمًا معتدلًا في أرض معتدلة، وتنظر إلى ظله في جهة المغرب، وتعرف منتهاه، ثم كلما ارتفعت نقص الظل، حتى تنتهى إلى أعلى درجات ارتفاعها، فتقف وقفة ويقف الظل لا يزيد ولا ينقص، وذلك وقت نصف النهار، ووقت الاستواء. ثم تميل إلى أول درجات انحطاطها في الغروب، فذلك هو الزوال، وهو أول وقت الظهر.