وقال الزين بن المنير: المختار حمله على الحقيقة، لصلاحية القدرة لذلك، وقد ورد مخاطبتها للرسول عليه الصلاة والسلام للمؤمنين بقولها: "جُزْ يا مؤمن، فقد أطفأ نورُكَ لهبي". ولأن استعارة الكلاه للحال، وإن عهدت وسمعت، لكن الشكوى وتفسيرها والتعليل له والإذن ولقبول والتنفس وقصره على اثنين فقط بعيدٌ من المجاز، خارج عما أُلف من استعماله.
وقوله: "بنَفَسين"، بفتح الفاء، والنفس معروف، وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء. وقوله: "نَفَسٌ في الشتاء، ونفس في الصيف"، بالجر فيهما على البدل والبيان، ويجوز الرفع على الخبرية، النصب بفعل مقدر، أي: أعني، وقوله: "أشد ما تجدون من الحر"، يجوز في أشد الكسر على البدل، لكن الرواية بالرفع، على أنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: فذلك أشد. وقال الطيبىّ: جَعْل أشد مبتدأً محذوفَ الخبر أولى، والتقدير: أشد ما تجدون من الحرّ من ذلك النفس، ويؤيد الأول رواية الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: "فهو أشد"، ويؤيد الثاني رواية النسائي بلفظ: "فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم".
وقوله: "أشد ما تجدون من الزمهرير"، أي: من ذلك النفس، وفي أشد الأوجه الثلاثة السابقة، والزمهرير شدة البرد، واستشكل وجوده في النار، ولا إشكال ولا مانع من حصول الزمهرير من نَفَس النار، لأن المراد من النار محلها، وهي جهنم، وفيها طبقة زمهريرية، والذي خَلَق المَلَكَ من الثلج والنار، قادر على جمع الضدين في محل واحد، وفي سياق المصنف لف ونشر غير مرتب، وهو مرتب في رواية النَّسائيّ، وفي الحديث رد على من زعم، من المعتزلة وغيرهم، أن النار لا تُخلق إلا يوم القيامة، والتعليل المذكور يفهم منه مشروعية تأخير الصلاة في وقت شدة البرد، ولم يقل به أحد؛ لأنها تكون غالبًا في وقت الصبح، فلا تزول إلا بطلوع الشمس، فلو أخّرت لخرج الوقت، والتنفس المذكور ينشأ عنه أشد الحر في الصيف، وإنما لم يقتصر في الأمر بالإبراد على أشده، لوجود المشقة عند شديده أيضًا، فالأشدية تحصل عند التنفس، والشدة