حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ. وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".
قوله: "عن سعيد"، كذا رواه أكثر أصحاب سفيان عنه، ورواه أبو العباس السَّرَّاج، عنه، عن سعيد، أو أبي سلمة، أحدهما أو كلاهما، ورواه أبو العباس أيضًا عن أبي سلمة وحده، والطريقان محفوظان. وقوله: "واشتكت النار"، في رواية الإسماعيليّ قال: "واشتكت النار"، وفاعل قال هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو بالإِسناد المذكور قبلُ، ووهم من جعله موقوفًا أو معلقًا.
واختُلِف في هذه الشكوى هل هي بلسان القائل؟ ولا تحتاج إلى أكثر من وجود الكلام في الجسم، أم في محاجّة النار؟ فلابد من وجود العلم مع الكلام، لأن المحاجّة تقتضي التفطن لوجه الدلالة، أو بلسان الحال، واختار كلاًّ طائفة. وقال ابن عبد البر: لكلا القولين وجه ونظائر، والأول أرجح. وقال عياض: إنه أظهر، وقال القرطبيّ: لا إحالة في حمل اللفظ على حقيقته. قال: وإذا أخبر الصادق بأمر جائز لم يحتج إلى تأويله، فحمْلُه على حقيقته أولى. وقال النوويُّ نحو ذلك، ثم قال: حَمْلُه على حقيقته هو الصواب. ورجح البيضاويّ حمله على المجاز، فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها.