فلولا أنه فهم الرخصة في مثل الحَجَلة ما استجاز استعمالها، فلعله تمسك في ذلك بعموم قوله "إلَّا رقمًا في ثوب" فإنه أعم من أن يكون معلقًا أو مفروشًا. وكأنه جعل إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- على عائشة تعليق الستر المذكور مركبًا من كونه مصورًا، ومن كونه ساترًا للجدار، ويؤيده ما في بعض طرقه عند مسلم عن زيد بن خالد قال: دخلت على عائشة فذكر نحو الحديث، لكن قال: "فجذبه حتى هتكه" وقال إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين. قال: فقطعنا منه وسادتين ... الحديث، فهذا يدل على أنه كره ستر الجدار بالثوب المصور، فلا يساويه الثوب الممتهن، ولو كانت فيه صورة، وكذلك الثوب الذي لا يستر به الجدار، فهذا لا يقال له مذهب باطل.
لكن الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك يدل على أنه مذهب مرجوح، وأن الذي رُخِّص فيه من ذلك، ما يُمتهن، لا ما كان منصوبًا. وقد أخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: كانوا يقولون؛ في التصاوير في البسط والوسائد التي توطأ ذُلّ لها. وأخرجٍ عنه أيضًا أنه قال: كانوا يكرهون ما نصب من التماثيل نصبًا، ولا يرون بأساً بما وطئته الأقدام.
وأخرج أيضًا عن ابن سيرين وسالم بن عبد الله وعكرمة بن خالد وسعيد بن جبير أنهم قالوا: لا بأس بالصورة إذا كانت تُوطأ، وأخرج أيضًا عن عُروة "أنه كان يتكىء على المرافق فيها التماثيل الطير والرجال". واعلم أن التحريم والوعيد الحاصلين لصانع الصورة حاصلان لمستعملها؛ لأنها لا تصنع إلَّا لتستعمل، فالصانع مسبب، والمستعمل مباشر، فيكون أولى بالوعيد.
ولم يبق من مباحث هذا المحل إلا الكلام على عذاب المصورين يوم القيمة، ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه عند أول ذكره.
الأول: أبو معمر عبد الله بن عمرو، وقد مرّ هو وعبد الوارث في السابع عشر من كتاب العلم، ومرّ عبد العزيز بن صهيب في الثامن من كتاب الإِيمان، ومرّ