الزبير، والتي بعدها، تصرح بالتعدد.
وقوله: فإنها ألهتني، أي شغلتني من "لَهِيَ" بالكسر، إذا غفل، لا من لها يلهو لهوًا إذا لعب. وقوله: آنفًا، أي قريبًا، وهو مأخوذ من ائناف الشيء، أي ابتدائه. وقوله: عن صلاتي، أي عن كمال الحضور فيها، ولكن الرواية المعلقة الآتية تدل على أنه لم يقع له شيء من ذلك، وإنما خشي أن يقع لقوله "فأخاف" وفي رواية مالك في الموطأ "فإني نظرت إلى عَلَمها في الصلاة فكاد يفتنني" والجمع بين الروايتين يحمل قوله "ألهتني" على قوله "كادت" فيكون إطلاق الأولى للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الإلهاء. وقد يقال: إن له عليه الصلاة والسلام حالتين: حالة بشرية وحالة يختص بها خارجة عن ذلك، فبالنظر إلى الحالة البشرية قال ألهتني، وبالنظر إلى الحالة الثانية لم يجزم به، بل قال أخاف، ولا يلزم من ذلك الوقوع.
قال ابن دقيق العيد: فيه مبادرة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مصالح الصلاة، ونفي ما لَعَلَّه يخدش فيها، ونزع الخميصة ليستن به في ترك كل شاغل، وليس المراد ببعثها إلى أبي جهم أن يستعملها في الصلاة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن ليبعث إلى غيره بما يكرهه لنفسه، فهو كإهداء حالة عطّار وإلى عمر مع تحريم لبسها، لينتفع بها ببيع أو غيره. ويحتمل أن يكون ذلك من جنس قوله "كلْ فإني أُناجي من لا يناجي" ويستنبط منه كراهية كل ما يشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها، والحض على حضور القلب، وقد شهد القرآن بالفلاح للمصلين الخاشعين، والفلاح أجمع اسم لسعادة الأخرى، وبانتفاء الخشوع ينتفي الفلاح، فالمصلي يناجي ربه، فعظم في نفسك قدر من تناجيه، وانظر مَن تناجي وكيف تناجي، وبماذا تناجي، فاعلم واعمل تسلم. وفيه قبول الهدية من الأصحاب، والإرسال إليهم، والطلب منهم.
واستدل به الباجيّ على صحة المعاطاة لعدم ذكر الصيغة، وقال الطيبيّ فيه إيذان بأن للضرر والأشياء الظاهرة تاثيرًا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية،