مراسيل عائشة، لأنها لم تدرك القصة، ويحتمل أن تكون أخذت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو من صحابيّ آخر، ومرَّ الكلام على مرسَل الصحابي في الثاني من بدء الوحي. أخرجه البخاريّ هنا وفي الهجرة عن مسدد، ومسلم في الصلاة عن يحيى بن يحيى، وأبو داود فيها عن القعنبيّ، والنَّسائيّ فيها عن قُتيبة، ثم قال المصنف:
أي بالجمع على حد قولهم: فلان يركب الخيول ويلبس البرود، ويحتمل أن الجمع على التوزيع بالنسبة لكل مصل، والمراد ستر العورة، ويأتي قريبًا استيفاؤه. ثم قال: وقول الله تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أي وفي بيان قول الله تعالى. وللأصيلىّ وابن عساكر: وقول الله عَزَّ وَجَلَّ وقوله: زينتكم، أي ثيابكم. لمواراةِ عوراتكم. وقوله: عند كل مسجد، أي صلاة أو طواف، فأراد بالزينة ما يواري العورة، وبالمسجد الصلاة، ففي الأول إطلاق اسم الحالِّ على المحل، وفي الثاني: إطلاق اسم المحل على الحالّ لوجود الاتصال الذاتي بين الحالّ والمحلّ. وهذا الآن أخذ الزينة نفسها، وهي عرض محال، فأريد محلها، وهو الثوب مجازًا، وكانوا يطوفون عُراة ويقولون: لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها، فنزلت الآية.
لا يقال نزول الآية في الطواف، فكيف يثبت الحكم في الصلاة؟ لأنا نقول العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. وهذا اللفظ عام، لأنه قال: عند كل مسجد، ولم يقل: عند المسجد الحرام، فنعمل بعمومه. وقيل: خذوا زينتكم، من قبيل إطلاق المسبب على السبب، لأنّ الثوب سبب الزينة، ومحل الزينة الشخص. وقيل: الزينة ما يتزين به من ثوب وغيره، كما في قوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] فالستر لم يجب لعين المسجد، وإنما وجب للصلاة، لا لأجل الناس حتى لو صلى وحده، ولم يستر عورته لم تجز صلاته، وإن لم يكن عنده أحد.