بعث إليه؟ أن الله تعالى أراد إطلاع نبيه عليه الصلاة والسلام على أنه معروف عند الملأ الأعلى؛ لأنهم قالوا: أَوَبُعث إليه؟ فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع له، والاّ لكانوا يقولون: ومن محمد؟ مثلًا. ورواية شريك "أو قد بعث" تُؤيد الاحتمال الأول، لكنها من المواضع التي تعقبت عليه، ويأتي جميعها إن شاء الله تعالى.
وفي قول جبريل: محمد، دليل على أن الاسم أولى في التعريف من الكنية، ويؤخذ منه أن رسول الله رجل يقوم مقام إذنه؛ لأن الخازن لم يتوقف عن الفتح له، على الوحي إليه بذلك، بل عمل بلازم الإِرسال إليه. وقد أخرج المصنف في الأدب المفرد، وأبو داود والبيهقيّ عن سعيد بن أبي عَروبة "إذا دُعِي أحدكم، فجاء مع الرسول، فهو إذنه" وفي رواية عن أبي هريرة بلفظ "رسول الرجل إلى الرجل إذنه" وفي رواية مالك بن صعصعة زيادة "قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء" أي أصاب رحبًا وسعة، وكنى بذلك عن الإنشراح. واستنبط من ابن المنير جواز رد السلام بغير لفظ السلام، وتعقب بأن قول المَلَك: مرحبًا به، ليس ردًا للسلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب. والسياق يرشد إليه. وقد نبه على ذلك ابن أبي جمرة، ووقع هنا أن جبريل قال له عند كل واحد منهم: سلّم عليه، قال: فسلمت عليه، فرد عليّ السلام. وفيه إشارة إلى أنه رآهم قبل ذلك.
وقوله: فإذا رجل قاعد عن يمينه أسْوِدة، وعن يساره أسْوِدة، بوزن أزمنة، وهي الأشخاص من كل شيء. وقوله: فقال مرحبًا بالنبي الصالح، والابن الصالح، قيل: اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة، وتواردوا عليها، لأن الصلاح صفة تشتمل خلال الخير، ولذلك كررها كل منهم عند كل صفة، والصالح هو الذي يقوم بما يلزم من حقوق الله وحقوق العباد، فمن ثمّ كانت كلمة جامعة لمعاني الخير. وفي قول آدم "الابن الصالح" إشارة إلى افتخاره بأُبُوّة النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقوله: قلت لجبريل: من هذا؟ ظاهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم: مرحبًا، ورواية مالك بن صعصعة عكس ذلك، وهي المعتمدة، فتحمل