وحاصله أَن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، وهذه الرواية المذكورة هنا مثل رواية شريك الآتية في التوحيد، فإن كانت القصة متعددة فلا إشكال، وإن كانت متحدة ففي هذا السياق حذفٌ تقديره: ثم أركبه البراقَ إلى بيت المقدس، ثم أتي بالمعراج كما في حديث مالك بن صعصعة "فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أُتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار، أبيض، وهو البراق فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا" وفي سياقه أيضًا حذف تقديره: حتى أتى بي بيت المقدس، ثم أتى بالمعراج، كما في رواية ثابت عن أنس رفعه: أُتيتُ بالبراق فركبته حتى أتى بي بيت المقدس، فربطته، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عُرج بي إلى السماء".
والحكمة في الإسراء به راكبًا مع القدرة على طي الأرض، إشارةٌ إلى أن ذلك وقع ثانيًا له بالعادة في مقام خرق العادة، لأن العادة جرت بان المَلَك إذا استدعى من يختص به يبعث إليه بما يركبه. وقال ابن أبي جمرة خص البراق بذلك إشارة إلى الاختصاص به، لأنه لم ينقل أن أحدًا ملكه بخلاف غير جنسه من الدواب، والقدرة كانت صالحة لأن يصعد بنفسه من غير براق، لكن ركوب البراق كان زيادة في تشريفه، لأنه لو صعد بنفسه لكان في صورة ماشٍ، والراكب أعز من الماشي.
والحكمة في كون البراق بهذه الصفة الإشارةُ إلى أن الركوب كان في سلْم وأمْن، لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد من دابة لا توصف بذلك في العادة، وقد وصفه بقوله "يضع خطوه عند أقصى طَرْفه" أي بسكون الراء وبالفاء، نظره، أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره. وفي حديث ابن مسعود عند أبي يعلى والبزار "إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه" وفي رواية للواقديّ "له جناحان ولم تر لغيره" وفي رواية عند الثعلبيّ بسند ضعيف عن ابن عباس في صفة البراق "له خد كخد الإنسان، وعرف كعرف الفرس، وقوائم كالإبل، وأظلاف وذنبٍ كالبقر، وكأنّ صدره ياقوتة حمراء" قيل: يؤخذ من ترك تسمية سير البراق طيرانًا أن الله إذا أكرم عبدًا بتسهيل