وابن عباس وعائشة. وروى عنه أيوب وجرير بن حازم وعوف الأعرابيّ وعمران القَصير وآخرون. قال ابن مُعين وأبو زرعة: ثقة. وقال ابن سعيد: كان ثقة في الحديث، وله رواية علم بالقرآن، وأمَّ قومه أربعين سنة. وقال أبو حاتم: جاهليّ فر من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أسلم بعد الفتح، وأتى عليه مئة وعشرون عامًا. والصحيح كما قال ابن عبد البر، أنه أسلم بعد المبعث، فقد قال جرير بن حازم: سمعت أبا رجاء العُطارديّ قال: سمعنا بالنبي ونحن في مال لنا، فخرجنا هرابًا. قال: فقال: مررت بقوائم ظبي فاخذتها وبللتها، قال: وطلبت في غُرارة لنا فوجدت كف شعير، فدققته بين ثم ألقيته في قدر، ثم وَدَجْتُ بعيرًا لنا فطبخته، فأكلت أطيب طعام أكلته في الجاهلية. قلت: يا أبا رجاء، ما طعم الدم؟ قال: حلو.
وقال أبو الحارث الكرمانيّ، وكان ثقة: سمعت أبا رجاء يقول: أدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا شاب أمرد. قال: ولم أر ناسًا كانوا أضل من العرب، كانوا يجيئون بالشاة البيضاء فيعبدونها، فيجيء الذئب فيذهب بها فيأخذون أخرى مكانها فيعبدونها. وإذا رأوا صخرة حسنة جاءوا بها وصلوا إليها، فإذا رأوا صخرة أحسن من تلك رموها، وجاءوا بتلك يعبدونها. وكان أبو رجاء يقول: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أرعى الإبل على أهلي وأريش وأبري، فلما سمعنا بخروجه لحقنا بمُسَيلمة. كان أبو رجاء رجلًا عاقلًا فيه غَفلة، وكانت له عبادة، وعُمِّر طويلًا، أزيد من مئة وعشرين سنة. مات سنة خمس ومئة في خلافة هشام بن عبد الملك.
قال أبو بكر بن عيّاش: اجتمع في جنازة أبي رجاء العطاردي الحسنُ البصري والفَرزدق الشاعر. فقال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد، تقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشر الناس، فقال الحسن: لست بخيرهم، ولست بشرهم، لكن ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم انصرف الفرزدق فقال:
ألم ترَ أن الناس مات كبيرُهم ... وقد كان قبل البعث بعثِ محمدِ
ولم يغنِ عنه عيش سبعين حجةً ... وستين لمامات غير مُوَسِّدِ
إلى حفرة غبراء يكره وِردها ... سوى أنها مثوى وضيعٍ وسيّدِ