وقوله: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامةً، وقع في رواية مسلم "وبُعثت إلى كل أحمر وأسود" فقيل: المراد بالأحمر العجم، وبالأسود العرب. وقيل: الأحمر الإِنس، والأسود الجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه مرسل إلى الجميع. قلت: لعل في العبارة قلبًا، وأصلها التنبيه بالأعلى على الأدنى؛ لأن الإِنس أعلى من الجن، وظاهر قوله في الحديث "لم يعطَهن أحد قبلي" يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك، ولا يُعترض عليه بأن نوحًا عليه السلام كان مبعوثًا إلى أهل الأرض بعد الطوفان؛ لأنه لم يبق إلاّ من كان مؤمنًا معه، وقد كان مرسلًا إليهم؛ لأن هذا العموم لم يكن من أصل بعثته، وإنما اتفق بالحادث الذي وقع، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا عليه الصلاة والسلام فعموم رسالته من أصل البعثة، فثبت اختصاصه بذلك.

وأما قول أهل الموقف لنوح عليه السلام، كما صح في الحديث: أنت أول رسول إلى أهل الأرض، فليس المراد به عموم بعثته، بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادًا، فهو مخصوص بتنصيصه، سبحانه وتعالى، في عدة آيات على أن إرساله كان إلى قومه، ولم يذكر أنه أُرسل إلى غيرهم. واستدل بعضهم بعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض فأُهلكوا بالغرق، إلّا أهل السفينة، فلو لم يكن مبعوثًا إليهم لما أُهلكوا، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإِسراء: 15] وقد ثبت أنه أوّل الرسل، والجواب القاطع عندي هو أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلاّ قومه، فبعثته خاصة، لكونها إلى قومه فقط، وهي عامة في الصورة، لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثًا إليهم، قلت: نص الآية صريح في أن المغرقين قومه، قال تعالى: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] فيدل ذلك على أنه بعث إلى قومه خاصة، ولكن لم يكن موجودًا سواهم حينئذ، وأجيب بجواز أن يكون غيره أُرسل إليهم في أثناء مدته، وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا، فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم، فأجيب: ويرد هذا الجواب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015