أموال الكفار إذا لم يوجد السبيل إلى أخذها غنيمة، وهو ظاهر لأن هذا القدر لم يرد التصريح بنسخه، فهو محتمل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ. قلت: هذا لا يتردد فيه؛ لأن إضرار العدو واجب بحسب الإِمكان.
وقوله: وأُعطيتُ الشفاعة، قال ابن دقيق العيد: الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها، وبذا جزم النّوويُّ وغيره. وقيل: الشفاعة التي اختُص بها أنه لا يرد فيما يسأل وقيل: الشفاعة في خروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان؛ لأن شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك. قاله عياض،. والظاهر أن هذه مرادة مع الأولى لأنه يتبعها بها، كما في حديث الشفاعة الآتي إن شاء الله في كتاب الرقاق. وقال البيهقيّ في البعث: يحتمل أن الشفاعة التي تختص بها أن يشفع لأهل الصغائر والكبائر، وغيره إنما شفع لأهل الصغائر دون الكبائر، قلت: الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر، فلا يمكن أن يوجد من له صغائر بدون الكبائر، ونقل عياض أن الشفاعة المختصة به شفاعة لا ترد، وهذا هو عين القول الثاني.
وقد وقع في حديث ابن عباس "وأُعطيتُ الشفاعة، فأخرتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئًا" وفي حديث عمرو بن شعيب "فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله" والظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة في هذا الحديث، إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، وهو مختص أيضًا بالشفاعة الأُولى، لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك، لاقتضائها الراحة المستمرة، وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس، كما يأتي في التوحيد "ثم أرجع إلى ربي في الرابعة، فأقول: يا رب، ائذن لي في من قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله". ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله "وعزتي" فيقول: "ليس ذلك لك، وعزتي ... الخ"، لأن المراد أنه لا يباشر الإِخراج كما في المرات الماضية، بل كانت شفاعته سببًا في ذلك في الجملة.