إلى حدود العشرين ومئتين. وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتُحِنَ أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرًا شديدًا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن. وظهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ" ظهورًا بيِّنا حتى يَشْمَلَ الأقوال والأفعال والمعتقداتِ.
واقتضى هذا الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين؛ والتابعون أفضل من أتباع التابعين، ويأتي تحرير هذا قريبًا إن شاء الله تعالى.
وأخرج الشيخان، وأحمد، وأبو داود، والترمذي عن أبي سعيد الخُدْري، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَسُبُّوا أصحابي، فَلَوْ أنَّ أحدَكُم أَنْفَقَ مثل أحُدٍ ذهبًا ما بلغ مدَّ أحدِهِم ولا نَصيفَهُ".
قال في "الفتح": فيه إشعار بأن المراد بقوله: "أصحابي" أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال: "لَوْ أنَّ أحدَكُم أَنْفَقَ" وهذا كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ... الآية} [الحديد: 10] ومع ذلك فَنهيُ بعض من أدركَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاطبه بذاك عن سب من سَبَقَهُ يقتضي زَجْرَ منَ لم يدرِكِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يخاطبه عن سبِّ من سبقه من باب الأولى.
وسبب هذا الحديث أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء، فسبَّه خالدٌ، فذكر الحديث.
وقال في "المِرْقاة": وكذا سائر طاعاتهم وعباداتهم وغَزَواتهم وخَدَماتهم. وقال القاضي عِياض: المعنى: لا يَنَالُ أحَدُكُم بإِنفاقِ مثلِ أُحُدٍ ذهبًا من الأجرِ والفضل ما ينال أحدهم بإنفاق مُدِّ طعام أو نصفه، لما يقارنه من مزيد الِإخلاصِ، وصدق النية، وكمالِ النفس.
وقال الطِّيْبيُّ: يمكن أن يُقال: إن فضيلتهم بحسب فضيلة