واستُدِلّ بقوله: "على ميت" أن لا إحداد على المطلَّقة إجماعًا في الرجعية، وعند الجمهور في البائن. وقالت الحنفية وأبو عُبيد وأبو ثور: عليها الإحداد قياسًا على المتوفّى عنها. وبه قال بعض الشافعية والمالكية.
واحتج الجمهور بأن الإحداد شُرِع لأن تركه من التطيُّب واللبس والتزين يدعو إلى الجماع، فمُنِعَت المرأة منه، زجرًا لها عن ذلك، فكان ذلك ظاهرًا في حق الميت؛ لأنه يمنعُه الموت عن منع المعتدة منه من التزويج، ولا تراعيه هي، ولا تخافُ منه، بخلاف المطلِّق الحي في كل ذلك. ومن ثَمَّ وَجَبَت العدة على كل متوفى عنها، وإن لم تكن مدخولًا بها، بخلاف المطلقة قبل الدخول، فلا عدة عليها اتفاقًا. وبأن المطلقة البائن يمكنها العود إلى الزوج بعينه بعقد جديد.
وتُعُقِّب بأن الملاعنة لا إحداد عليها. وأجيب بأن تركه لفقدان الزوج بعينه لا لفقدان الزوجية.
وما مرَّ من أن غير الزوج لا يجوز الاحداد عليه فوق ثلاث، هو على عمومه، أبًا كان أو غيره.
وما أخرجه أبو داود عن عَمرو بن شُعيب، من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخَّص للمرأةِ أن تَحُدَّ على أبيها سبعة أيام، وعلى من سواه ثلاثة أيام، لو صح كان خصوص الأب يخرُجُ من العموم، لكنه مرسل أو مُعْضَل؛ لأن جُلَّ رواية عَمْرو بن شُعيب عن التابعين، ولم يرو عن أحد من الصحابة إلا الشيء اليسير عن بعض صغار الصحابة. وإنما أُبيح هذا القدر على غير الزوج لأجل حظ النفس ومراعاتها، وغلبة الطباع البشرية.
وقوله: "أربعة أشهر وعشرًا" الحكمة في هذا القدر هي أن الولد يتكامل تخليقه، وتُنفخ فيه الروح بعد مضي مئة وعشرين يومًا، وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الأَهِلّة، فجُبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط، وأنَّث العشرَ باعتبار الليالي؛ لأنها غُرر الشهور والأيام، ولذلك لا يستعملون التذكير