وأجيب أيضًا باحتمال أن يكون المراد بالإِحداد المعتد بالثلاث قدرًا زائدًا على الإِحداد المعروف، فعلته أسماء مبالغة في حُزْنِها على جعفر، فنهاها عن ذلك بعد الثلاث.
ويُجاب أيضًا باحتمال أنها كانت حاملًا، فوضعت بعد ثلاث، فانقضت العُدة، فنهاها بعدها عن الإحداد، ولا يمنع ذلك قوله في الرواية الأخرى؛ لأنه يُحمل على أنه -صلى الله عليه وسلم- اطَّلع على أن عُدَّتها تنقضي عند الثلاث.
ويجاب أيضًا بأنه لعله كان أبانها بالطلاق قبل استشهاده، فلم يكن عليها إحدادٌ.
وأما إعلال البيهقي للحديث بالانقطاع فغير صحيح، لتصحيح أحمد له، لكنه قال: إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإِحداد، وهذا مصيَّر منه إلى إعلاله بالشذوذ، وهذا هو الذي مرَّ عن البُلُقّيني.
وأما ما رُوي عن سالم، عن ابن عمر رفعه "لا إحداد فوق ثلاث" فقد قال أحمد: هذا منكر، والمعروف عن ابن عُمر من رأيه، وهذا يُحتمل أن يكون لغير المرأة المعتدّة، فلا نَكاره فيه، بخلاف حديث أسماء.
وأغرب ابن حِبّان، فساق حديث أسماء بلفظ: "تسلمي" بالميم بدل الباء، وفسره بأنه أمرها بالتسليم لأمر الله، وبأن الحكمة في تقييده بالثلاث كون القلق يكون في ابتداء الأمر أشد، فلذلك قيد بالثلاث. وهذا تكلف وتصحيف، ويُبَيِّن خطأَهُ روايةُ البيهقي: "فأمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أتسلبَ ثلاثًا".
قلت: الظاهر عندي في الجواب عن حديث أسماء هو أن هذا خصوصية لها منه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه هو المرجِع في الأحكام، فله أن يخصَّ بعض أمته بحكم، ويمنع غيره منه، ولو بغير عذر، كخصوصية هذه لأسْماء بالإِحداد ثلاثًا، وكتخصيصه لأبي بُردة ابن نيار بإجزاء جَذَعة المَعْزِ عنه في الضَّحِية، وكإباحته النياحة على الميت للأنصارية، إلى غير ذلك.