قلت: يظهر لي في هذا الحديث معنى آخر لم أر مَن ذكره، وهو أن المعنى فيه الرد على المتنطعين المانعين قربان الحائض ألبتة، فأَخْبَرَتْ بأنه عليه الصلاة والسلام كان يفعل هذا مع ملكه لنفسه، وقدرته على ردِّ شهوته، فكيف يتنزه عنه غيره.
وذهب كثير من السلف، والثوري، وأحمد، وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، واحد القولين أو الوجهين للشافعية، واختاره ابن المُنذر.
وقال النووي: هو الأرجح دليلًا، لحديث أنس عند مسلم: "اصنَعوا كلَّ شيءٍ إلا الجماعَ"، ولما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة، عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، "أنه كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها ثوبًا"، وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب، جمعًا بين الأدلة.
وقال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار؛ لأنه فِعْلٌ مجرَّد.
واستدل الطحاوي على الجواز بأن المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدًّا ولا غُسلًا، فأشبهن المباشرة فوق الإزار.
وفرق بعض الشافعية، فقال: إن كان يضبطُ نفسه عن المباشرة عن الفرج، ويَثِقُ منها باجتنابه، جاز، وإلا فلا. واستحسنه النووي.
ولا يبعُد توجيه قول مفرِّقِ بين ابتداء الحيض وما بعده، لظاهر التقييد بقولها: "فَوْرَ حيضتِها"، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أُم سلمة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتَّقِي سَوْرَة الدم ثلاثًا، ثم يباشِر بعد ذلك". ويُجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين.
قلت: أَخْذُ هذا الوجهِ من حديث الباب بعيدٌ جدًّا؛ لأنه صريح في ضده،