وزجَّجْنَ الحواجبَ والعُيونَ

فالعيون لا تزجج، ولكن لما جمعهما في نظم، حمل أحدهما على الآخر. وكقوله:

متقلدًا سيفًا ورمحًا

فالرمح لا يُتقلد، فهما منصوبان على المفعول له على طريق السلف والنشر المرتب، أي: فوضت أمري إليك رغبة، وألجات ظهري إليك رهبة من المكاره والشدائد. وقد ورد في بعض طرقه بإثبات من، كما أخرجه النسائي وأحمد بلفظ: "رهبة منك ورغبةً إليك".

وقوله: "لا ملجأ ولا منجا منك إلاَّ إليك" أصل ملجأ بالهمز، ومنجا بغير همز، ولكن لما جُمعا جاز أن يُهمزا للازدواج، وأن يُترك الهمز فيهما، وأن يُهمز المهموز ويُترك الآخر، فهذه ثلاثة أوجه، ويجوز التنوين مع القصر، فتصير خمسة.

وهذا التركيب مثل: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، فتجري فيه الأوجه الخمسة المشُهورة، وهي: فتح الأول والثاني، وفتح الأول ونصب الثاني، وفتح الأول ورفع الثاني، ورفع الأول وفتح الثاني، ورفع الأول والثاني.

ومع التنوين تسقط الألف. واللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في: "منك"، وإن كانا ظرفين فلا، إذ اسم المكان لا يعمل، وتقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك، ولا منجا منك إلا إليك.

وقال الطيبي: في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها إلا المتقين من أهل البيان، فأشار بقوله: "أسلمت" إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه، وبقوله: "وجهت وجهي" إلى أن ذاته مخلصة له، بريئة من النفاق، وبقوله: "فوضتُ أمري" إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه، لا مدبر لها غيره، وبقوله: "ألجات ظهري" إلى أنه بعد التفويض يلتجىء إليه مما يضُره ويؤذيه من الأسباب كلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015