مثل دوي النحل, لأن الأول بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - والثاني بالنسبة إلى الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - والحكمة في هذا أن العادة جرت بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية، وهو النوع الأول. وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني، والأول أشد بلا شك.
وقوله: "وَأَحْيانًا يتمثلُ لي المَلَكُ رجلًا" فاللام في "لي" تعليلية، أي لأجلي، والتمثل مشتق من المثل أي يتصور، واللام في الملك للعهد، وهو جبريل، والملك مشتق من الأَلوكةِ وهي الرسالة، يقال: ألكني أي: أرسلني، ومنه سمي الملك, لأنه رسول من الله تعالى، والملائكة جمع ملأك على وزن مَفْعل، و"رجلًا" منصوب على المصدرية أي: تمَثُّلَ رجلٍ، أو التمييز على حد قولهم: امتلأ الإِناء ماءً، أو الحال والتقدير: على هيئة رجل، وفي الحديث دليل على أن الملك يتشكل بشكل البشر.
وقد قال المتكلمون: الملائكة أجسام لطيفة علوية تتشكل أي شكل أرادوا من الأشكال الطيبة لا الخبيثة، وزعم بعض الفلاسفة أنهم جواهر روحانية، والحق أن تمثل الملك رجلًا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلًا بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطب، والظاهر أن القدر الزائد لا يفنى بل يخفى على الرائي فقط، ويمكن أن يكون أتى على شكله الأصلي، لكنه انضم فصار على هيئة الرجل، وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته، ومثال على ذلك: القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشًا، فإنه بالنفش تحصل له صورة كبيرة، وذاته لم تتغير ...
وقوله: "فَيُكَلِّمُني فَأَعي ما يَقُولُ": "ما" موصولة، والعائد محذوف، وفي "صحيح" أبي عَوانة: "وهو أهونه علي"، وقد وقع التغاير بين قوله: "وقد وعيت" بلفظ الماضي و"فأعي" بلفظ المضارع, لأن الوعي في الأول حصل قبل الفصم، ولا يتصور بعده، وفي الثاني في حالة المكالمة , ولا يتصور قبلها، أو أنه في الأول قد تلبس بالصفات الملكية، فإذا عاد إلى حالته