الصاغة له، والقَيْن، بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون، الحَدَّاد. وقال الطبريّ: القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجه بنفسه.

وهذه الروايات تدل على أن الاستثناء في حديث الباب، لم يرد به أن يستثني هو وإنما أراد أن يلقن النبي، صلى الله عليه وسلم الإستثناء، وقوله عليه الصلاة والسلام في جوابه "إلا الإذْخِر" هو استثناء بعض من كل، لدخول الإدْخِر في عموم ما يُختْلَي، واستدل به على جواز النسخ قبل الفعل، وليس بواضح، وعلى جواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه، ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال إما لفظًا وإما حكمًا، لجواز الفصل بالتنفس مثلًا. وقد اشتهر عن ابن عباس الجواز مطلقًا، ويمكن أن يحتج له بظاهر هذه القصة. وأجابوا عن ذلك بأن هذا الاستثناء في حكم المتصل، لاحتمال أن يكون عليه الصلاة والسلام أراد أن يقول "إلا الإذخِر" فشغله العباس بكلامه، فوصل كلامه بكلام نفسه، فقال إلا "الإذْخِر" وقد قال ابن مالك: يجوز الفصل مع إضمار الاستثناء متصلًا بالمستثنى منه. واختلفوا هل كان قوله صلى الله تعالى عليه وسلم "إلا الإذْخِر" باجتهاد أو وحي؟ وقيل: كأنّ الله فَوَض له الحكم في هذه المسألة مطلقًا. وقيل: أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء فأجب سؤاله.

وقال الطبري: ساغ للعباس أن يستثنى الإذْخِر لأنه احتمل عنده أن يكون المراد بتحريم مكة، تحريم القتال دون ما ذكر من تحريم الاختلاء، فإنه من تحريم الرسول باجتهاده، فساغ له أن يسأله استثناء الإذْخِر، وهذا مبنى على أن الرسول، عليه الصلاة والسلام، كان له أن يجتهد في الأحكام، وليس ما قاله بلازم بل تقريره، صلى الله تعالى عليه وسلم، للعباس على ذلك دليلٌ على جواز تخصيص العام. وقد مر قريبًا أن العباس لم يرد الاستثناء، وإنما أراد تلقينه عليه الصلاة والسلام، وقال ابن بَطّال عن المُهَلَّب: إن الاستثناء هنا للضرورة، كتحليل أكل الميتة عند الضرورة. وقد بين العباس ذلك بأن الإذْخِر لا غنى لأهل مكة عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015