وقال: "لو قتلف مسلمًا بكافر لقتلته به" وقال "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" فأشار بالحكم الأول إلى ترك اقتصاصه من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله، وبالحكم الثاني إلى النهي عن الإِقدام على ما فعله القاتل المذكور.
وقال ابن السَّمعانيّ: وأما حملهم الحديث على المستأمن, فلا يصح لأن العبرة بعموم اللفظ، حتى يقوم دليل على التخصيص، ومن حيث المعنى إن الحكم الذي يبنى في الشرع على الإِسلام والكفر، إنما هو لشرف الإِسلام أو لنقص الكفر، أو لهما جميعًا، فإن الإِسلام ينبوع الكرامة، والكفر ينبوع الهوان. وأيضًا إباحة دم الذمي شبهة قائمةٌ لوجود الكفر المبيح للدم، والذمة إنما هي عهد عارض منع القتل مع بقاء العلة، فمن الوفاء بالعهد أن لا يقتل المسلمُ ذميًا، فإن اتفق القتل لم يتجه القول بالقود, لأن الشبهة المبيحة لقتله موجودة، ومع بقاء الشبهة لا يتجه القود.
وذكر أبو عُبيدَ بسند صحيح، عن زُفَر أنه رجع عن قول أصحابه، فأسند عن عبد الواحد بن زياد قال: قلت لزُفَر: إنكم تقولون تُدرأ الحدود بالشبهات، فجئتم إلى أعظم الشبهات، فأقدمتم عليها، المسلم يقتل بالكافر! قال: فاشهد علي أني رجعت عن هذا، وذكر ابن العربيّ أن بعض الحنفية سأل الشاشي عن دليل ترك قتل المسلم بالكافر، وأراد أن يستدل بالعموم، فيقول: أخصّه بالحربيّ، فعدل الشاشي، عن ذلك، وقال دليلي السنة والتعليل لأن ذكر الصفة في الحكم يقتضي التعليل، فمعنى لا يقتل المسلم بالكافر، تفضيل المسلم بالإِسلام فَأَسكته.
ومما احتجوا به قطعُ المسلم بسرقة مال الذمي، قالوا: والنفس أعظم حرمة، وأجاب ابن بَطّال بأنه قياس حسَن لولا النص، وأجاب غيره بأن القطع حق لله، ومن ثم لو أعيدت السرقة بعينها لم يسقط الحد، ولو عفا. والقتل بخلاف ذلك، وأيضًا القصاص يشعر بالمساواة، ولا مساواة للكافر والمسلم. والقطع لا تشترط فيه المساواة.