ونحوها، فلا يعيد ذلك إذا ارتد ثم عاد إلى الإِسلام، وإن سقط ثوابه بالردة، وحينئذ فلا نظر. أما من ارتد ثم عاد إلى الإِسلام في حياته - صلى الله عليه وسلم - فهو داخل في الصحبة بدخوله الثاني في الإِسلام اتفاقًا إن رآه -عليه الصلاة والسلام- مرة أخرى بعد العود للإسلام، وعلى الصحيح المعتمد: إن لم يره ثانيًا، والتقييد بالرؤية المراد به عند عدم المانع كالعمى، فإن كان كابن أم مَكْتوم الأعمى فهو صحابي جزمًا، فالأحسن أن يُعبَّر باللقاء بدل الرؤية.
قال الحافظ زين الدين العراقي: قولهم: مَنْ رأى النبي- صلى الله عليه وسلم - هل المراد به: من رآه في حال نبوته، أو أعم من ذلك حتى يدخلَ من رآه قبل النبوة ومات قبل النبوة على دين الحنيفة: كزيد بن عمرو بن نُفَيْل، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه يُبعَثُ أمةً وَحْدَهُ بيني وبين عيسى بن مَريم" رواه البغوي في "الصحابة" من حديث جابر، ورواه أبو أسامة زيادة على رواية البخاري، وأخرجه البزار من طريق جابر أيضًا، والطَّيالِسِيُّ من طريق ابنه سعيد، وقد ذكره في الصحابة أبو عبد الله بن مَنْدَةَ. وكذلك لو رآه قبل النبوة، ثم غاب عنه، وعاش إلى بعد زمن البعثة، وأسلم ثم مات ولم يره، ولم أر من تعرض لذلك.
ويدل على أن المراد رآه بعد نبوته أنهم ترجموا في الصحابة لمن وُلِدَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة، كإبراهيم من مارية، وعبد الله من خديجة، ولم يترجموا لمن ولد له - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة كالقاسم.
وأما من رآه وآمن به بعد البعثة وقبل الدعوة، كوَرقَةَ بن نَوْفل، فإنه صحابي، كما جزم به ابن الصلاح.
وهل يختص جميع ذلك ببني آدم، أو يَعُمُّ غيرهم من العقلاء؟ محل نظر، أما الجِنُّ فالراجح دخولهم، لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بُعِث إليهم قَطْعًا وهم مكلفون، فيهم العصاة والطائعون؛ فمن عُرف اسمه منهم لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة، وإن كان ابن الأَثير عاب ذلك على أبي