الفارق أيضًا. فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر. قال ابن قدامة: ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي، ولا بما يسقط من الورق، نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافًا. قاله في "الفتح".
قلت: تستثنى عند المالكية ستة أشياء يجوز الانتفاع بها، وهي: الإذخر والسنى والعصا والسّواك، وقطع الشجر للبناء، والسكنى في موضعه، أو قطعه لإصلاح الحوائط.
وقوله "فإن أحدٌ ترخص لقتال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيها". أحدٌ فاعل لفعل مضمر يفسره ما بعده، لا مبتدأ, لأن إنْ من عوامل الفعل، وحذف الفعل وجوبا لئلا يجمع بين المفسّر والمفسَّر. وترخص مشتق من الرخصة، والمعنى إن قال أحد ترك القتال عزيمة، والقتال رخصة تتعاطى للحاجة، مستدلا بقتاله عليه الصلاة والسلام فيها. وفي رواية ابن أبي ذيب عند أحمد "فإن ترخَّص قد خص، فقال: أحلَّت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم". فإن الله أحلها لي، ولم يحلها للناس. وقوله "فقولوا" فقد أذن لرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم خصيصة له. وقوله "وإنما أذن لي" بفتح الهمزة، والفاعل الله، وروي بضم الهمزة بالبناء للمجهول. وفي قوله "لي" التفاتٌ, لأن نسق الكلام وإنما أذن له، أي: لرسوله. وقوله "ساعةً من نهار" أي: مقدارًا من الزمان، وهو من طلوع الشمس إلى العصر. والمأذون فيه القتال لا قطع الشجر، ففي مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "لما فتحت مكة قال: كفُوُّ السّلاح إلاَّ خزاعة عن بكر، فأذن لهم حتى صلى العصر، فقال كفُوّا السلاح، فلقي رجلٌ من خزاعة رجلًا من بكر، من غدٍ بالمزدلفة، فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقام خطيبًا فقال: إنَّ الله هو حرّم مكة" قال: ورأيته مسندًا ظهره إلى الكعبة. وفي حديث أبي شُريح عند أحمد "فما رأيته غَضب غضبًا أشد منه".