نوى بها فاعلها القربة، كالأكل إذا نوى به القوة على الطاعة، وقال ابن عبد السلام: الجملة الأولى: لبيان ما يُعْتَبَرُ من الأعمال، والثانية: لبيان ما يترتب عليها، وقد مر أن نحو القرآن والذكر لا يحتاج إلى نية لصراحتها إلا لقصد الإِثابة، ومن ثَمَّ قال الغَزَّالي: حركة اللسان بالذكر مع الغفلة عنه تحصِّلُ الثواب، لأنه خير من حركة اللسان بالغيبة، بل هو خير من السكوت مطلقًا، أي: المجرد عن التفكر، قال: وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: "في بضْع أحَدِكُمْ صَدَقَةُ" ثم قال في الجواب عن قولهم: "أَيأْتي أَحَدُنا شَهْوَتَهُ ويُؤْجَرُ؟ ": "أَرَأَيْتَ لَوْ وَضَعَها في حَرامٍ؟ " وأورد على إطلاق الغَزّالي أنه يلزم منه أن المرء يثاب على فعل مباح، لأنه خير من فعل الحرام، وليس ذلك مراده، وخُصَّ من عموم الحديث ما يقصد حصوله في الجملة، فإنه لا يحتاج إلى نية تخصه كتحية المسجد كما مر، وكمن مات زوجها فلم يبلغها الخبر إلا بعد مدة العدة، فإن عدتها تنقضي، لأنّ المقصود حصول براءة الرحم، وقد وجدت.
وقوله: "فَمَنْ كانَتْ هِجْرتُهُ إَلى دُنْيا يُصيبُها .. الخ" وقع في جميع نسخ "البخاري" حذف أحد وجهي التقسيم، وهو قوله: "فَمَنْ كانت هِجرته إلى الله ورسولهِ الخ" وقد أخرجه تامًّا في آخر الإِيمان من رواية مالك في باب ما جاء أن الأعمال بالنية، وقد روي عن شيخه الحُمَيْدي تامًّا في "صحيح" أبي عَوانة، "ومستخرج" أبي نُعيم، فلا عذر له في سقوطه، وأجيب عنه بأنه لعله قَصَدَ أن يجعل لكتابه صدرًا يستفتح به على ما ذهب إليه كثير من الناس، من استفتاح كتبهم بالخطب المتضمنة لمعاني ما ذهبوا إليه من التأليف، فكأنه ابتدأ كتابه بنية رد علمها إلى الله، فإن علم منه أنه أراد الدنيا، أو عرض إلى شيء من معانيها فسيجزيه بنيته، ونكب عن أحد وجهي التقسيم مجانبة للتزكية التي لا يتناسب ذكرها في هذا المقام، وحاصله أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة، والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصّلُ القربة أو لا، فلما كان