والجواب الثاني: غير ما أبديناه هو أن الثانية تفيد تعيين اشتراط المنوي، فلا يكفي في الصلاة نيتها من غير تعيين، بل لا بد من كونها ظهرًا مثلًا، وقيل: إن الثانية لإِفادة منع الاستنابة في النية، لأنّ الجملة الأولى لا تقتصر منعها بخلاف الثانية، ولا يعترض هذا بنية ولي الصبي عنه في الحج، وحج الإِنسان عن غيره، والتوكيل في تفرقة الزكاة، لأنّ الأصل المطرد لا ينخرِمُ بخروج ما نَدَرَ منه، وذهب القُرْطُبِيُّ إلى أن الجملة اللاحقة مؤكدة للسابقة، فيكون ذَكَرَ الحكم بالأولى، وأكده بالثانية تنبيهًا على سر الإِخلاص، وتحذيرًا من الرياء المانع من الخلاص، وقد علم أن الطاعات في أصل صحتها وتضامنها مرتبطة بالنيات، وبها ترفع إلى خالق البريّات، وقال ابن دَقيقِ العيدِ: الجملة الثانية تقتضي أن من نوى شيئًا يحصُل له، يعني إذا عمله بشرائطه، أو حال دون عمله له ما يُعْذَرُ شرعًا بعدم عمله، وكل ما لم ينوه لم يحصُل. ومراده بقوله: ما لم ينوه، أي: لا خصوصًا ولا عمومًا، أما إذا لم ينو شيئًا مخصوصًا، لكن كانت هناك نية عامة تشمله، فهذا مما اختلف فيه أنظار العلماء، ويتخرج عليه من المسائل ما لا يحصى، وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر، كمن دخل المسجد فصلى الفرض، أو الرابتة، قبل أن يقعُدَ، فإنه تحصل له تحية المسجد، نواها أو لم ينوها، لأنّ القصد بالتحية شغل البقعة، وقد حَصَلَ، وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة، فإنه لا يحصل له غسل الجمعة على الراجح، لأنّ غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد، لا إلى محضِ التنظيف، فلا بد فيه من القصد إليه بخلاف تحية المسجد.
قلت: مذهب مالك إذا نوى بالغسل الجنابة والجمعة معًا، أو قصد نيابة الجنابة عن الجمعة حصلا.
وقال: النَّوَوِيُّ: أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي، كمن عليه صلاة فائتة، لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط، حتى يعينها ظهرًا مثلا أو عصرًا، ولا يخفى أن محله ما إذا لم تَنْحَصِر الفائتة، وقال ابن السَّمْعاني: أفادت أن الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب إلا إذا