وشرطها الجزم، فلو توضأ شاكًّا في حدثه، قائلًا في قلبه إن كنت أحدثت فله، وإلا فتجديد، لم يجزِهِ ذلك الوضوء سواء تبين حدثه أو لم يتبين عند المالكية، وعند الشافعية يجزِئُهُ إذا لم يتبين حدثه.
ولا تحتاج إزالة النجاسة إلى نية لأنها من قبيل التروك، والتروك لا تحتاج إلى نية، نعم تفتقر للنية لحصول الثواب كتارك الزنى، إنما يثاب بقصد تركه امتثالًا للشرع، وكذا الواجب الذي لا يحتاج في فعله إلى نية كالنفقة على الزوجات والأقارب، ورد الغصوب لا ثواب فيه إلا بقصد الامتثال، قال في "مراقي السعود":
وَليْسَ في الوَاجِب مِن نَوَال ... عِندَ انْتِفاءِ قَصْدِ الامْتِثالِ
فِيْما لَهُ النِّيّةُ لا تُشْتَرَطُ ... وغَيْرُ ما ذَكَرْتُهُ فَغَلَطُ
ومِثْلهُ التركُ لِمَا يحَرَّمُ ... مِنْ غَيرِ قَصْدِ ذا نَعَمْ مُسَلَّمُ
وكذلك نحو القراءة والذكر والأذان لا يحتاج إلى فيه لصراحتها، إلا لقصد الإِثابة، وكذا النية لأنها لو توقفت على نية أخرى لحصل التسلسل أو الدَّوْر، وهما محالان، وكذا معرفة الله تعالى لأنها لو توقفت على النية، مع أن النية قصد المَنْوِيّ بالقلب لزم أن يكون عارفا بالله تعالى قبل معرفته، وهو محال، وتعقبه البُلْقِيْني بما حاصله إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم، وإن كان المراد النظر في الدليل فلا، لأنّ كل ذي عقل يشعر مثلًا بأن له من يُدَبِّرُهُ، فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه، لم تكن النية حينئذ محالًا.
وقد نظم سيدي عبد الله العَلَوِيُّ الشَّنقيْطيُّ تفاصيل النية فقال:
وَالنِّيِّةُ القَصْدُ لِأنْ تَمِيلا ... لِصَوْب حُكْمِهِ عَلا مَفْعُولا
حِكْمَتُهَا التَّمْييزُ والتَّقَرُّبُ ... فِيما إلى التَّعَبدُّاتِ يُنْسَبُ
وَغَيرهُ التَّمْيِيزُ مِثْل الاشْتَرا ... لِبَعْض أَيتامٍ عَلَيْهِمْ حَجَرًا
فَمَا نُهي عَنْهُ وَمَا لَا يُطْلَبُ ... لَا نِيّةٌ فيهِ اتّفاقًا تجبُ
كَمَا تَمَحَّضَ مِنَ الأمْرِ لِمَا ... لَيْس عِبادَةً كَإِعْطا الغُرَمَا