على بعد، وهل يُشتَرط في الرائي أن يكون بحيث يميز ما رآه أو يُكتفى بمجرد حصول الرؤية؟ محل نظر، وعمل من ألَّف في الصحابة يدل على الثاني، فإنهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق، وإنما وُلد قبل وفاة الرسول، - صلى الله عليه وسلم - بثلاثة أشهر وأيام كما ثبت في الصحيح: "إن أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع، قبل أن يدخلوا مكة" وذلك في أواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة، ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل.

والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الإسفراييني ومَنْ وافقه على رد المراسيل مطلقًا، حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء؛ لأن أحاديثهم لا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - بل من قبيل مراسيل كبار التابعين.

وهذا مما يُلغَز به، فيقال: صحابي حديثه مرسل ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، ومنهم -يعني أهل الحديث- من بالغ فكان لا يعد في الصحابة إلا من صَحِب الصحبة العرفية، كما جاء عن عاصم الأحول قال: رأى عبد الله بن سَرْجِسَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم تكن له صحبة. أخرجه أحمد؛ هذا مع كون عاَصم قد روى عن عبد الله بن سَرْجسَ هذا عدة أحاديث، وهي عند مسلم، وأصحاب السنن، وأكثرها من رواية عاصم عنه، ومن جملتها قوله: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - استغفر له".

فهذا رأي عاصم: أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية؛ وكذا روي عن سعيد بن المسيِّب: أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة فصاعدًا، أو غزا معه غزوة فصاعدًا.

والعمل على خلاف هذا القول، لأنهم اتفقوا على عَدّ جمع جَمٍّ في الصحابة، لم يجتمعوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا في حجة الوداع، ومن اشترط الصحبة العرفية أخرج مَن له رؤية، أو من اجتمع به، لكن فارقه عن قرب، كما جاء عن أنس أنه قيل له: "هل بقي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد غيرك؟ قال: لا" مع أنه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015