مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]، ولأبوي ذَرٍّ والوقت: "وقوله عَزَّ وَجَلَّ"، ولابن عساكر: "وقول الله سبحانه"، "وقول": مجرور عطفًا على الجملة المضاف لها باب، أي: باب كيف كان بدء الوحي، ومعنى قول الله كذا، أو الاحتجاج بقول الله كذا، وبالرفع على حذف الباب عطفًا على الجملة لأنها في محل رفع، وكذا على تنوين باب، وهو في حال الرفع محذوف الخبر، أي وقول الله كذا مما يتعلق بهذا الباب، وإنما لم يقدروا باب: كيف قول الله، لأنّ قول الله لا يكيف، وأجيب بأنه يصح على تقدير مضاف، أي كيف نزول قول الله، أو كيف فهم معنى قول الله، أو أن يراد بكلام الله المنزل المتلو لا مدلوله، وهو الصفة القائمة بذات الباري تعالى، والآية نزلت جوابًا لأهل الكتاب في اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، واحتجاجًا عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء، وآثر صيغة التعظيم تعظيمًا للوحي والموحى إليه، ومناسبتهما للترجمة واضحة من جهة أن صفة الوحي إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - توافق صفة الوحي إلى من تقدمه من النبيين، ومن جهة أن أول أحوال النبيين في الوحي بالرؤيا، كما رواه أبو نُعيم في "الدلائل" بإِسناد حسن، عن عَلْقَمَةَ بن قيس، صاحب ابن مسعود، قال: إن أول ما يؤتى به الأنبياء في المنام، حتى تهْدَأَ قلوبهم، ثم ينزل الوحي بعدُ في اليقظة، وإنما خَصَّ نوحًا بالذكر فيها مع أن قبله آدم، وشيْث، وإِدْرِيس، لأنه هو الأب الثاني، وجميع أهل الأرض من أولاده الثلاثة، سام، ويافث، وحام، لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} والذين ركبوا معه في السفينة لما خرجوا منها ماتوا كلهم ما عدا نوحًا وبنيه الثلاثة، ثم مات نوح، وبقي بنوه الثلاثة، فهو أول نبي موجود بعد الطُّوْفان، فتخصيصه لهذا المعنى، وعطف عليه سائر الأنبياء.
وأما الجواب بأنه أول مشرع، أو أول نبي عُوقِبَ قومهُ، فمتعقَّب بأن أول مشرع آدم عليه السلام، فإنه أول نبي أرسل إلى بنيه، وشرع لهم الشرائع، وبأن شِيْث هو أول من عذب قومه بالقتل، كما في "تاريخ"