وأما بالنسبة إلى الاصطلاح، ففيه الخلاف، فمنهم من استمر على أصل اللغة، وهذا رأي الزُّهريّ ومالك وابن عُيينة ويحيى القَطَّان وأكثر الحجازيين والكوفيين. وعليه استمر عمل المغاربة، ورجَّحه ابن الحاجب في مُخْتَصره. ونُقِل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة، ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده، حيثُ يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن رَاهَويْه والنَّسائِيّ وابن حِبان وابن مَنْده وغيرهم.
ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التَّحَمُّل، فيخصون التحديث بما يَلْفُظ به الشيخ، والإخبار بما يقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جُريج والأوزاعيّ والشافعيّ، وابن وَهْب وجمهور أهل المشرق. ثم أحدث اتباعهم تفصيلًا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني ومن سمع مع غيره جمع، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال: أخبرني. ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه.
وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل، وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب، فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته. نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يختلط، لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن تجوّز عنها احتاج إلى الإِتيان بقرينة تدل على مراده، وإلا فلا يؤمَنُ اختلاط المسموع بالمجاز، بعد تقرير الاصطلاح، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين. ويأتي -إن شاء الله تعالى- في باب القراءة والعرض على المحدث، إتمام الكلام على هذا البحث بطول.
ثم ذكر المصنف ثلاثة تعاليق مؤيدًا بها مذهبه من التسوية بين الصيغ الأربع فقال:
وقال ابن مسعودٍ حَدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق وقال شقيق عن عبد الله سمعت للنبي صلى الله عليه وسلم كلمة