وغاية العلم العمل لأنه ثمرته، وفائدة العمر، وزاد الآخرة، فمن ظفر به سَعِد، ومن فاته خسر. فإذًا العلمُ أفضل من العمل به؛ لأن شرفه بشرف معلومه، والعمل بلا علم لا يُسمّى عملا، بل هو رد وباطل.

والمراد بالعلم العلم الشرعيّ الظاهر، وهو الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه وعباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص. ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه. وقد ضرب هذا الجامع الصحيح في كل من الأنواع الثلاثة بنصيب وافر، فرضي الله تعالى عن مُصَنِّفه، وأعاننا على ما تصدَّينا إليه من توضيحه بمنِّه وكرمه.

ومن العلم الشرعيّ علم الباطن، وهو نوعان: الأول، علم المعاملة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة، فالمُعْرض عنه هالك بسطوة مالك الملوك في الآخرة. كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا، بحكم فتوى علماء الدنيا.

وحقيقته النظر في تصفية القلب وتهذيب النفس، باتِّقاء الأخلاق الذميمة التي ذمّها الشارع، كالرّياء والعُجْب والغِش، وحب العُلُوِّ والثناء والفخر والطمع ليتصف بالأخلاق الحميدة المحمدية، كالإخلاص والشكر والصبر والزهد والتقوى والقناعة، ليصلح عند إحكامه ذلك لعمله بعلمه، ليرث ما لم يعلم، فعلمه بلا عمل وسيلة بلا غاية، وعكسه جناية، واتقانهما بلا ورع كلفة بلا أجرة، فأهم الأمور زهد واستقامةٌ، لينتفع بعلمه وعمله.

والنوع الثاني علم المكاشفة، وهو نور يظهر في القلب عند تزكيته، فتظهر به المعاني المُجمَلة، فتحصل له المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وكتبه ورسله، وتنكشف له الأستار عن مخبآت الأسرار، فافهمْ وسلّمْ تسلمْ، ولا تكن من المنكرين تهلك مع الهالكين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015