وقوله {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] يرفع بكسر العين، لالتقاء الساكنين، وروي بالرفع، قيل في تفسيرها: يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم درجات. ورفعة الدرجات تدل على الفضل، إذ المراد به كثرة الثواب. وبها ترتفع الدرجات، ورِفْعَتُها تشمل المعنوية في الدنيا بعلوّ المنزلة وحسن الصيت، والحسية في الأخرة بعلو المنزلة في الجنة. قال ابن عباس: درجات العلماء فوق المؤمنين بسبعمائة درجة، ما بين الدرجتين خمسمئة عام. وفي "صحيح مسلم" عن ناِفع بن عبد الحارث الخزاعيّ -وكان عاملَ عمر على مكة- أنه لقيهُ بِعُسْفَان، فقال له: من استخلفت؟ فقال: استخلفتُ ابنَ أبْزَى، مولىً لنا، فقال عمر: استخلفت مولى؟ قال: إنه قارىء لكتاب الله، عالم بالفرائض. فقال عمر: أما إنَّ نبيكم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين".
وعن زيد بن أسْلَمَ في قوله تعالى {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] قال: بالعلم. وقوله {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} تهديدٌ لمن لم يُمْتَثِل الأمر، أو استكرهه.
وقوله: وقوله عَزَّ وَجَلَّ {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله تعالى لم يأمر نبيه، صلى الله تعالى عليه وسلم، بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم.
واكتفى المصنف في بيان فضيلة العلم بهاتين الآيتين؛ لأن القرآن العظيم أعظم الأدلة، ولو لم يكن من فصيلة العلم إلا آية {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] فبدأ الله تعالى بنفسه، وثّنى بملائكته، وثلّث بأهل العلم، وناهيك بهذا شرفًا، والعلماء وَرَثَة الأنبياء كما ثبت في الحديث، وإذا كان لا رتبة فوق النبوة، فلا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة.