وأخذ هذا المعنى أحد الظرفاء فقال:
اليوم يوم ثلاثا ... فاسق النديم ثلاثا
في ود ظبي رخيم ... يقول للكَأْسِ كاثا
وحكى أبو بكر محمد بن أحمد المصحفي قال: دخلت يوما على الوزير أبي عامر بن شهيد، أعُودُه
في العِلَّة التي مات منها؛ فَتَأَنَّسَ بي، وسألني عن حالي، وجرى الحديث بيننا إلى أن شكوت له تَجَنِّيَ
من كنت أهواه عليَّ، وتألفه من كان ينسب الخمول والتقصير إلي، ونفاره عني؛ وتماديه في البعد
مني. وأعلمته بما أنا من الاحتدام والقلق؛ وما أكابد من الأشجان والأرق، فقال لي سأسعى في صَلاَح
ذات البين؛ وأوضح له ما زخرف من الإِفك والميْن. ويزول الخلاف، وتؤولُ الحالُ إلى الائتلاف. ثم
خرجتُ عنه، وأنا مسرور عنا له داع إلى الله تعالى في صحته، وبُرْئِه من اعتلاله. فلقيتُ ذلك
المتجنى، مع بعض الأصحاب، فوليت عنهم، ولم أَدْنُ منهم فأنكر ما رأى منَّا ذلك الصديق؛ وسأل
المتجني عن السبب المُوجِبِ للانصرام والتفريق. فأخبره بما جرى واتفق، من التهاجر الذي سبق،
والسبب الموجب للإعراض. فجدّا في مشيهما، وأسرعا في الانتهاض، حتى لحقاني، وعزم علينا في
الكلام؛ فتكلمنا وتعاتبنا، ومشينا، حتى وصلنا دار أبي عامر، واستأذن عليه، فأذن لنا، ودخلنا. فلما
رآنا أبو عامر ضحك، وقال: من كان الذي تَوَلَّى إِصْلاَحَ مَا كُنَّا سُرِرْنَا بِفَسَادِه؟ فقلت: قد كان ما كان.
فأطرق قليلا ثم