وكانت لأبي عامر بن شهيد به مشاهد؛ أعطاه فيها الدهر ما شاء، ووالى عليه

الصحْووالانتشاء، وكان هو وصاحب الروض المدفون، بإزائه، أليفيْ صبوة؛ وحليفيْ نشوة. عكفافيه

على جِرْيَالِهِمَا؛ وتصرفا بين زهوهما واختيالهما، حتى رداهما الردى؛ وعَدَاهما الحِمَامُ عن ذلك

المدى؛ فتجاورا في الممات، تجاورهما في الحياة، حينَ تقلصت عنهما وارفات تلك الظلال؛ عند بلوغ

الآجال. وإلى ذلك العهد أشار أبو عامر، وبه عرّض، وبكثرة تشوقه إليه صحّ ومرض، حيث قال

عند موته مخاطبا لصاحبه المذكور، وأمر أن يدفن بإزائه، وتكتب هذه الأبيات عند قبره:

يَا صَاحبي قُمْ فَقَدْ أَطَلْنا ... أَنَحْنُ طُولَ المَدَى هُجودُ

فقَالَ لي لَنْ تَقُومَ منْها ... مَادَامَ منْ فَوْقِنَا الصَّعِيدُ

تَذْكُرُكُمْ ليلةٌ نَعِمْنا ... بِظِلِّهَا والزَّمَانُ عِيدُ

وَكَمْ سُرُور هَمَى عَلَينا ... سَحَابَةً ثَرَّةً تَجُودُ

كلٌّ كَأنْ لَمْ يَكنْ تقضى ... وَشُؤْمُهُ حَاضِرٌ عَتيدُ

حَصَّلَهُ كَاتبٌ حَفيظٌُ ... وضَمَّهُ صَادِقٌ شَهيدُ

يَا وَيْلَنَا إنْ تَنَكَّبَتنا ... رَحْمَةُ مَنْ بَطْشُهُ شَد يدُ

يَا رَبِّ عَفْواً فأَنْتَ مَوْلًى ... قَصَّرَ في حَقِّهِ العَبيدُ

أضيف هذا المنظوم، إلى كلام منثور في لوح، وغرز عند رأس قبره، رحمة الله عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015