بَخِلَ الغَمامُ بِصَوْبِه عنْ ترْبِها ... فَسَقيتُها العَبَراتِ لَمّا انْهَلَّتِ

عَزت على الكُرَماء مِنْ مفْقُودَة ... ودهتْ مُصيبَتُها الجلالَ فَجَلَتِ

لوْ تسْتَبينُ الأرْضُ قدْرَ جَلالِها ... بِكُمُ لألْقتْ شخْصها وتَخَلَّت

ريْحانَةٌ ذبَلَتْ وقَرَّتْ أعْيُنٌ ... ألْقَتْكِ أيَّامَ السُّرورِ وقلَّتِ

حازتْ بكُمْ شرَفَ العُمُومَةٍ فانجلتْ ... شَمساً دَهَاهَا الكسفُ حين تجَلَّتِ

فاصْبِرْ فإنَّ الحُرَّ منْ إنْ تَدْعُهُ ... للصَّبْرِ طابتْ نفسهُ وتَسَلَّتِ

فالموْتُ أمْرٌ عمَّ فينا حُكْمُهُ ... خَضَعَتْ لعِزَّتِهِ الرِّقابُ وذَلَّتِ

وقال أيضاً يرثي:

وخَبَّرَني النَّاعُون ما صَنَعَ الرَّدَى ... بِأسْماءَ منْ أفْعالهِ النَّكراتِ

فكَذَّبْتُ ما قالُوا، وإنْ كانَ صادِقاً ... فيَا خيْرَ مُنْعىً، وشرَّ نُعَاتِ

أساءتْ بأسْماء الخُطُوبُ صنيعَها ... إليْنا، فأَنْسَتْ سالِفَ الحَسَنَات

طَوى التُّرْبُ منها في حَشاهُ سريرَةً ... منَ المجْدِ، والأسْرارُ للْمُهَجَاتِ

ورَوَّضَ ظَمْآنَ الثَّرى منْ سَمَاحِهَا ... فأنْبَتَ زهْرَ الحمْدِ أيَّ نباتِ

سَقَاها الحَيا، والفخْرُ في ذاكَ للحَيا ... وَإلاّ سَقَاها سائلُ العَبَراتِ

وإلاّ سقاها جُودُها في ضريحِها ... فقدْ كانَ مثْلَ الغيثِ في اللَّزَباتِ

وقالوا: عَجُوزٌ. قُلْتُ: رُبَّ صَنيعَةٍ ... تزيدُ بها حُسْناً على الفَتَيَاتِ

مَضَتْ سَلَفاً، والكُلُّ يقْفُو سبيلَها ... مُشَيَّعةً بالبِرِّ والصلَواتِ

شَفَى النَّفْسَ أنْ لمْ يَخْلُ منها مَكَانُها ... ولمْ تَكُ مثْلَ الأعْظُمِ النَّخرَاتِ

ولَكِنَّها أبْقَتْ فُرُوعاً كثيرةً ... حياةً لَها منْ بَعْدِ كُلِّ مَمَاتِ

كَمِثلِ أبي بَكْرٍ، ومثْلِ سليلِه ... خَلِيلِي أبي إسْحَاقَ خيْرِ لِداتِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015